رئيس التحرير
عصام كامل

خياراتنا في الأزمة الأوكرانية

إذا كانت الأزمة الأوكرانية أكبر من مجرد رغبة روسية لحماية أمنها كما تقول أو لابتلاع أوكرانيا كما تقول واشنطن، وإنما هى بمثابة أحد مظاهر مخاض مولد نظام دولى جديد، فإنه علينا في مصر ألا نختصر تداعيات هذه الأزمة علينا فقط في اضطراب وارداتنا من القمح الأوكراني وفي افتقاد السائحين القادمين لنا من أوكرانيا.. وإنما علينا أن نبحث تداعيات وتأثير هذه الأزمة علينا في إطار أوسع وأرحب يمتد ليشمل العالم كله. 

 

نعم قد تفقدنا هذه الأزمة مصدرا مهما للحصول على ثلث وارداتنا من القمح على الأقل خلال هذا العام، لكننا فى إمكاننا أن نستعيد عن أوكرانيا بمصادر أخرى، وقد فعلنا ذلك فعلا حينما سارعنا بإبرام صفقة قمح مع رومانيا لضمان توفر احتياطيات مناسبة من القمح لدينا على الأقل فى فترة التهاب تلك الأزمة، وإن كانت الأزمة تحمل فى طياتها بالطبع احتمالات لارتفاع الأسعار العالمية للقمح. 

 

القمح والسياحة

 

ونعم أيضا ستفقدنا الأزمة أعدادا من السائحين الأوكرانيين، في وقت نتطلع فيه إلى زيادة موارد النقد الأجنبى لدينا التى توفرها لنا السياحة الأجنبية، لكن اهتمامنا بتنويع الأسواق الأجنبية لهذه السياحة سوف يعوضنا عن فقد أو إنخفاض السائحين الأوكرانيين، وقد يعوضنا عودة السائحين الألمان للتدفق على مدن البحر الأحمر لدينا. 

 

إذن التأثير الذى قد يطالنا من الأزمة الاوكرانية أبعد من ارتفاع تكلفة وارداتنا من القمح وأيضًا انخفاض مواردنا من السياحة الأوكرانية.. فنحن إزاء مرحلة مخاض لنظام دولى جديد تتصارع فيه القوى العظمى، والأزمة الأوكرانية أحد مظاهر هذا المخاض.. والقوى المنخرطة في هذا الصراع بشكل مباشر أمريكا وروسيا، وأيضًا أوروبا التى يجرى على أرضها هذا الصراع، بينما تراقب من بعد  وبحذر الصين ذلك.. ونحن لنا علاقات مع أطراف هذا الصراع استراتيجية وسياسية واقتصادية. 

 

وبالنسبة لأمريكا نحن حريصون معها على ما هو أكبر وأبعد من مجرد انتظام المساعدات العسكرية، إنما نبغى علاقات طبيعية معها تمكنا من الاستمرار في عملية التنمية الاقتصادية بدون تربص أو تعطيل.. أما بالنسبة لروسيا فإن لنا علاقات مستقرة معها، خاصة أنها عادت لتصبح مصدرا متجددا للحصول على السلاح، وصارت تشاركنا في بناء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، وتشاركنا أيضا في إقامة منطقة صناعية في محيط قناة السويس.

 

 

ومع اشتداد الصراع بين روسيا وأمريكا على هذا النحو سيكون علينا أن نكون جاهزين استراتيجيا وتكتيكيا بخيارات مدروسة  للحفاظ على علاقاتنا بالدولتين، وأيضًا بالأطراف الأخرى المنخرطة في هذا الصراع مثل الدول الأوربية التى يجري الصراع الأمريكى الروسي على أراضيها، في ظل النهج الذي التزمنا به في سياساتنا الخارجية والذى يقضى بالانفتاح على الجميع ما داموا يحترمون استقلال قرارنا.       

الجريدة الرسمية