لعبة أوكرانيا في بدايتها!
قد يبدو أن واشنطن ظفرت بما سعت إليه بعد قرار المستشار الألماني بتعليق مشروع نورد ستريم ٢، وهو خط الأنابيب الجديد الذي سوف يضاعف كميات الغاز الذي تصدره روسيا لأوروبا.. ولكن من يتأمل هذا القرار مليًّا سوف يتبين أن المشروع معلق بالفعل قبل أن تتطور الأزمة الأوكرانية أمس بقرار الرئيس الروسي بوتين بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك المنفصلتيين عن أوكرانيا والدفع بقوات روسية لأراضيها لتأمين السلام فيهما.
فهذا المشروع تم الانتهاء من إنجازه في خريف العام الماضي وكان ينتظر موافقات وتصديقات الجهات المعنية المتخصصة في ألمانيا لبدء العمل فيه وضخ الغاز الروسي فيه نظرًا لأنه يمر بالأراضي الألمانية.. وكان وراء التأخير في الانتهاء من هذه التصديقات ضغوط أمريكية وعدد من الدول الأوروبية أيضًا التي ستخسر عمولات انتقال الغاز الروسي عبر أراضيها.. أي إن قرار المستشار الألماني بتعليق المشروع هو في حقيقة أمره تعليق لما هو معلق بالفعل!
مشروع نورد ستريم ٢
أما الوقف التام والنهائي لهذا المشروع، وهو ما تبغيه واشنطن، فهو أمر آخر تمامًا، لأسباب شتى أهمها حاجة ألمانيا، ومعها بعض الدول الأوروبية الأخرى مثل النمسا وبلغاريا، للغاز الروسي بالفعل وهو ما يوفره لها هذا المشروع وبأسعار مناسبة أقل من البديل القطرى وبديل الغاز الصخري الأمريكي.. وسوف تزداد هذه الحاجة أكثر في ظل تصاعد أسعار النفط التي لا تتوقف منذ العام الماضي.. أي إن التعليق لا يعني الإلغاء لهذا المشروع، خاصة أنه تم ضخ استثمارات ضخمة فيه روسية وغير روسية أيضا بلغت ١١ مليار دولار، كما أن الضغوط الأمريكية طوال فترة تنفيذ المشروع لم تجد في إيقافه أو عدم إتمامه بسبب الحاجة الألمانية أولًا والحاجة الأوروبية ثانيًا للغاز الروسي.
ويراهن الروس على أن الأزمة الأوكرانية سوف تهدأ بمرور الوقت رغم العقوبات الاقتصادية التي ستفرضها أمريكا والاتحاد الأوروبى عليها، كما حدث بعد ضم جزيرة القرم، وبعد ذلك سينتهي هذا التعليق لمشروع نورد ستريم ٢ لأنها ليست وحدها المستفيدة منه رغم الضغوط الامريكية التي تستهدف وقف هذا المشروع تمامًا، خشية أن يسهم ذلك في تحسن مستقبلا في العلاقات السياسية بين ألمانيا وروسيا يفضي إلى تحسن أوسع بين روسيا وأوروبا يخصم من العلاقات الأوروبية الامريكية، وهو ما قد يسهم في صياغة نظام دولي جديد يحرم أمريكا من هيمنتها على العالم الذي استساغت حلاوة طعمه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وسقوط نظام القطبين الدولي.
أى إن اللعبة أكبر من مصير أوكرانيا وأهم من مصلحة إحدى الدول الأوربية ورغبتها في الاحتماء بالغرب وحلف الناتو.. إنها لعبة الأمم الشهيرة لبسط النفوذ وتحقيق الأطماع والنفوذ على مساحة الكرة الأرضيَّة كلها.. وأزمة أوكرانيا هي أحد فصول هذه اللعبة.. ونحن في بداية اللعبة الآن!
ولذلك ونحن ندرس تداعيات الأزمة الأوكرانية علينا في مصر يجب أن تكون دراستنا في هذا الإطار الرحب وليس محصورًا فقط فيما سوف نخسره من أموال بسبب تأثر تدفق السياح الأوكرانيين علينا وتأثر انتظام استيراد القمح الروسي والأوكراني وأيضًا آثار ارتفاع النفط عالميًّا.. ولهذا حديث آخر.