بروفة ضربة نووية
تزامنت المناورات النووية الروسية طيلة يوم أمس مع المداولات فى مؤتمر ميونخ للأمن، بحضور كاميلا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الأوكراني زيلنسكي، وقادة أوروبا. جرت المناورات الاستراتيجية النووية تحت إشراف الرئيس بوتين وبحضور حليفه البيلاروسي، فى غرفة، يطالعان منها على الهواء الصواريخ الباليستية وكروز، ومناورات الغواصات في البحر الأسود، قبالة شبه جزيرة القرم، فضلا عن طلعات الطيران الحربي الاستراتيجي. محاكاة كاملة لحرب نووية. فى ضوء استكمال استعداد نصف الـ١٩٠الف جندي روسي، واتخاذهم الوضع الهجومي..
يمكن القول أن القضية لم تعد الآن معركة أوكرانيا، بل معركة أوروبا، كما وضعها رئيس ليتوانيا، الذي تساءل عن الدولة التالية التى سوف يتطلع إليها بوتين بالغزو، وهو في هذا يستهدف مؤازرة أوكرانيا فى دعوتها المتوسلة للإعلان عن قبولها في الاتحاد الأوربي، وفي حلف الناتو. بالطبع ليتوانيا عضو في الناتو منذ عام ٢٠٠٤. الصواريخ التى أطلقها بوتين أمس بعضها أسرع من الصوت ست مرات، وبعضها تسع مرات، وهو يعلن عنها كرسالة ردع نوعية، لا تتوفر لدى الجيش الأمريكي.
اعتبرت روسيا أن هذه المناورات، التى وصفها الغرب بالضخمة، ضمن الجدول التدريبي المعتاد، لكن الناتو يعتبرها اعادة رسم قواعد النظام العالمى الجديد، وهو ما أشارت إليه كلمة الصين بضرورة الاعتراف بعالم متعدد الأقطاب. فى كل الكلمات بميونخ، كان الدعم بالمال والسلاح هو السقف الأقصى للغرب، والتأكيد على ان أمريكا أو الناتو لن يقاتلا داخل أوكرانيا.
اتهامات متبادلة
من أجل هذا كان إلحاح الرئيس الأوكراني واضحا لدرجة الاستعطاف: لماذا لا تعلنون انضمامنا إلى الاتحاد الأوربي. لماذا لا تعلنون قبولنا في حلف الأطلنطي. هذه الخطوة مناط تفجير الموقف وتطويره إلى حرب عالمية ثالثة، والطرفان على جانبي الأطلنطي يعلمان أنها النهاية للكوكب. فى الخطاب الغربى المتداول مساران: التلويح بالعقوبات القاصمة للاقتصاد الروسي ونخبته، دون الإضرار الحاد بالاقتصاد العالمى، ثم اعلان الجاهزية العسكرية، سيناريوهات الاهداف والوسائل، للدفاع عن أية دولة بالحلف.
بوتين بطبيعة الحال ذهب إلى أقصى مدى في اختبار التماسك الأوربي وجديته، وهو موقن الآن أنهم في مؤتمر ميونخ توحدوا كما لم يحدث منذ توحد أوروبا ضد هتلر، وبالتالي فلن يخاطر بمهاجمة بولندا مثلا، إو احدى دول البلطيق.
الموقف منذر بكارثة عالمية، وإذا كانت روسيا استعرضت أمس قواتها الاستراتيجية النوعية، فإن الغرب بدوره سرعان ما سيفعل الشئ ذاته، وبذلك لن يضمن احد مدى فعالية الشرارات المتدفقة في صورة قذائف تنطلق من داخل اوكرانيا الى المنطقة المتمردة في دونباس، أو من دونباس إلى أوكرانيا الأم. رصدت أمس ١٥٠٠حالة اختراق وانتهاك، والطرفان يتبادلان الاتهامات، لكن بايدن يعتبر قذائف الانفصاليين الموالين ل روسيا في دونتسك ولوجانسك، الستار الذي سيغطى عملية الاجتياح الروسى الكامل ل أوكرانيا..
ربما كان هناك من عقلاء أوروبا من يتوسط فى خط سرى مواز للوصول إلى خطة يتراجع عندها بوتين وبايدن، تحفظ ماء الوجه ل روسيا وأمريكا..
المشهد بالغ التعقيد، بالغ السرعة، نحو الهاوية..
ونتابع