كلهم عند حافة الجبل
ذهبت كل الأطراف الفاعلة فى الأزمة الروسية الأوكرانية إلى آخر متر مربع فوق جبل التوتر والتشدد، جبل شاهق تسلقته كل الأطراف علي جانبي المحيطين الأطلنطي والهادي، واحتشد الجميع، بينما الضحية المرتقبة، أوكرانيا، تعلن أن الهدوء يسيطر على حياتها، وأن القروض الغربية تتدفق، وأن السلاح الأمريكي البريطاني الفرنسي مستمر، سلاح أعلنت روسيا أنه خردة باهظة الثمن، على حساب المواطن الأوكراني.
أمس كان موعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا حسب التوقيت الاستخباراتي الأمريكي، ولم يقع الهجوم، بل بالعكس أعلنت روسيا سحب وحدات إلى قواعدها من القرم، وتنفس العالم الصعداء، لكن بعد ساعات قليلة عادت واشنطن تشكك في أن انسحابا ذا مغزى قد تم. يعني وقع انسحاب لكنه غير مؤثر. ومن ثم اعتبر وزير الخارجية الأمريكي بلينكن أن الموجود حاليا من القوات يكفي كمقدمة لتنفيذ الغزو.
تحرك ميداني
عدد القوات وفق تقدير الرئيس الامريكي بايدن ١٥٠ ألف جندي روسي يحيطون ب أوكرانيا من كل جانب. وبينما تواصل أمريكا حملتها الإعلامية بأن الغزو لا يزال احتمالا كبيرا وحقيقيا، سخر وزير الخارجية لافروف من أمريكا والغرب واعتبر مواقفهم هيستيريا مسلية ومثيرة للدهشة.
وفى السياق المتعثر، اتخذ الاتحاد الأوربي خطوة متقدمة، فقد دعا إلى إحترام الهواجس الأمنية ل روسيا. والمفارقة أن يجئ هذا وقت انعقاد وزراء دفاع دول حلف الأطلنطى.. وكان الحلف قرر زيادة القوات القتالية في رومانيا ومنطقة البحر الأسود.. وأصلا أصلا يوجد للحلف ٦٠ ألف جندي و٢٠٠دبابة وعشرات الطائرات شرقى ووسط أوروبا.. لكن مع التهديد الروسي يتحجج الناتو فيضاعف قواته.
الموقف الآن رهن التحرك الميداني: روسيا ستصعد وفق التحركات الغربية على الأرض كما قال بوتين. والغرب سيصعد وفق التحركات الروسية على الأرض.
التصعيد الروسي يعني عدم السماح ل أوكرانيا بالانضمام للحلف، ولو واصلت اتخاذ إجراءات في هذا الصدد فستكون القوة هي الفعل المؤكد. أما الغرب فلن يستخدم القوة من أجل أوكرانيا. هو يستخدم الردع بالعواقب المالية والعقوبات الاقتصادية. متى يستخدم الغرب القوة ضد روسيا؟ فى حالة واحدة وستكون كارثة الكوارث: أن تهاجم روسيا دولة من الناتو خارج أوكرانيا. وهذا ما يخشاه الغرب.. أن تتجاوز روسيا أوكرانيا إلى رومانيا أو بولندا مثلا!
ماذا يريد الرئيس الروسي بوتين؟ يريد أن تعلن كييف الكف عن رغبتها في الانضمام للناتو حتى لا تكون صواريخ الغرب مصوبة علي الأراضي الروسية. هل يحترم الغرب هذا القلق الروسي المشروع ؟ من قراءة تفاعلات المشهد فإن الغرب يعتمد سياسة إنهاك صاحب القرار الروسي، عبر سلسلة متواصلة، بالمعنى ذاته، ومتكررة بشكل ممل، عن توقيع عقوبات فادحة على روسيا، وليس القتال علي الأرض الأوكرانية. هم يعلنون إذن أنه لا قتال ضد روسيا داخل أوكرانيا إذا غزت موسكو كييف. وروسيا تؤكد أن لا غزو أمس ولا الأسبوع المقبل ولا الشهر القادم.. وأنها مسرحية اعلامية غربية مسلية!
هل يدفع الغرب روسيا إلى أفغانستان جديدة في أوكرانيا؟ هل قرأ بوتين خريطة التفكير الغربي؟ ولماذا يريد الغرب تقويض قوة روسيا بينما العدو الرسمى للغرب حاليا وفق إعادة تعريف العدو فى أمريكا.. هو الصين؟
بقدر ما يريد الغرب الحد من الدور الروسي وتقليل فعاليته، وعقابه علي دوره فى الحرب الأهلية السورية، بقدر ما يسعى بوتين إلى إحراج الإدارة الأمريكية، الزاعقة أكثر منها فاعلة، وإعلان وفاة القيادة الأحادية للعالم.. من يكسب الرهان؟ المكسب صفر لكل الأطراف.