"الدوم" خطوة على الطريق
يعتبر البرنامج اللبناني "ستديو الفن"، الأب الروحي لجميع برامج اكتشاف المواهب، إذ بدأه المخرج الراحل سيمون أسمر، في تلفزيون لبنان الرسمي منذ العام 1972، وكان يتعهد الفائزين في فئات البرنامج على تعددها بالرعاية والتأهيل إلى أن يجد أصحابها طريق الشهرة والانتشار، وفي ظل انقسام بيروت خلال سنوات الحرب الأهلية، توقف البرنامج بعد دورات مميزة ليحل محله برنامج "ليالي لبنان"، إلى أن عاد سيمون أسمر ببرنامجه الأصلي "ستديو الفن" عبر شاشة LBC اللبنانية.
سيطر جميع خريجي برنامج "ستديو الفن" من الأصوات الغنائية ومقدمي البرامج والشعراء وحتى عارضات الأزياء، ومازالوا على الساحة العربية، ومنهم ماجدة الرومي، وليد توفيق، راغب علامة، عاصي الحلاني، إليسا، مايا نصري، نوال الزغبي، وائل كفوري، مايا دياب، وعشرات الأصوات والمذيعين والشعراء وغيرهم.
توقف "ستديو الفن" بعد سنوات طويلة، لتبدأ مرحلة إنتاج نسخ عربية من برامج المواهب الأجنبية، وهي تهدف بالدرجة الأولى إلى استغلال شهرة أعضاء لجنة التحكيم من الفنانين لاستقطاب المعلنين وحث الجمهور على التصويت للمشتركين، سواء في الفضائيات اللبنانية أو الخليجية، ولم ترق مخرجاتها إلى مستوى وقدرة خريجي "ستديو الفن".
برنامج الدوم
حاولت مصر مجاراة موجة برامج اكتشاف المواهب، لكنها لم تكن على قدر الطموح والجماهيرية فتوقفت سريعا، إلى أن لاح الأمل مع برنامج "الدوم" المستحق والمدروس، والأهم أنه مصري من الألف إلى الياء وليس "فورمات"، ليفاجئ الجمهور في افتتاحه بمستوى مدهش ومواهب واعدة ينتظرها مستقبل مشرق إن وجدت الرعاية والدعم كي تشق طريق النجاح.
استغرب البعض تسمية البرنامج وتمنى لو اختير له عنوانا جاذبا، لكني أتصور أن ثمة قصد وراء تسمية "الدوم" أي "القبة"، لارتباط القباب الوثيق بالتاريخ والعمارة المصرية منذ آلاف السنين، بمعنى أن الريادة تظل لنا مهما تعثرنا بفعل الحروب والمكائد والمؤامرات، فالقباب وُجدت منذ عهد الأسرة المصرية الأولى، التي استخدمت قباب خلية النحل كمخازن للحبوب، واستُخدمت أيضا في مصر القديمة كمصاطب سينيب ونيفيري، وكانت وسيلة لتفريغ الضغط في الأهرامات ومنها هرم سنفرو ذو القبة المنحنية ببهو تحتها واستُخدمت كأفرانٍ وأقبيةٍ أيضا. كما عُثِر في النوبة على قبور مبنيّة فوق الأرض على شكل قباب من الحجارة، يرجع تاريخها إلى بداية الألفية الثانية قبل الميلاد، وتاليًا استُخدِم أسلوب القبة النوبيّة في الصعيد لآلاف السنين.
ارتبط المصري بالقبة معماريًا وروحيًا ودينيًا، لأنها ترمز إلى "عين الإله الحارس في السماء"، ثم سعى لتطوير فن تصميمها واستخدمها في الكنائس والمساجد ودور العلم والثقافة والقصور الملكية والمباني الحكومية وحتى المنازل، بنايات مصر المقببة لا تعد ولا تحصى في مختلف العصور بما فيها الحديث وهي شاهدة على التاريخ والريادة.
لم يأت بناء مسرح "الدوم" على النيل من فراغ، فـ"مصر هبة النيل" وستظل رغم ما يحاك ضدها، وتحت "قبة" المسرح تجلى الإبداع والإبهار المصري في كل مفردات الإنتاج البرامجي، من إضاءة، ديكور، فخامة، أداء، استعراض، اختيار "أيقونات" تطل على المسرح في استهلالة مدهشة، مع تقارير تختصر رحلة البرنامج وجولته بالمحافظات لاختبار وتصفية مواهب البرنامج، المدعوم من وزارتي الثقافة والشباب والرياضة، وهذا في حد ذاته يجعل اهتمامه بصقل المواهب وتقديمها إلى الساحة، بعيدا عن منطق الربح المادي، الذي يحكم برامج المواهب في الفضائيات المستقلة.
يقول المثل إن "الحلو ميكملش"، وكثير من الأعمال المصرية رغم إبداعها ينقصها الترويج الجيد داخليا وخارجيا كي تحظى بما تستحقه من جماهيرية وانتشار، فبعد الافتتاح المدهش للبرنامج، وجدت كثيرين لا يعرفون شيئا عنه، وشاهدوا الافتتاح في اليوم التالي، أو حتى مقاطع منه في منصات القناة، ومن القصور في البرنامج أيضا عدم اهتمام فريقه بتوفير صور ونشرات صحافية لوسائل الإعلام العربية سعيا لدعمه والترويج له، أما الصور المتاحة في الحسابات الاجتماعية للقناة، فهي ضعيفة للغاية ووضع "لوغو" الفضائية واسم البرنامج على رؤوس وأجساد الفنانين والمشاركين بشكل يعيق استخدامها للنشر.
نتمنى نجاح وتميز "الدوم" وأن تحتضن "القبة" المصرية عشرات المواهب المحلية، مع السعي الجاد للترويج له إعلاميا ومعالجة القصور في هذا الجانب، لأن البرنامج خطوة عملية على طريق استعادة الريادة المصرية.