رافع الحذاء يعارض الغناء
بلغ الصراع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت، حدا توقف معه الإنجاز وتردي الحال، صحيح أن الممارسة الديمقراطية مطلوبة والعالم كله يشهد بقوة برلمان الكويت والحرية غير المسبوقة في محاسبة النواب للحكومة منذ عشرات السنين، لكن كان الأمير يلجأ إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة عندما يصل خلاف السلطتين إلى مرحلة يستحيل معها الاستمرار.
ظل هذا النهج متبعا منذ ستينات القرن الماضي ولجأ أمراء وحكام الكويت إلى حل وتعليق البرلمان لإيقاف تغول النواب على الحكومة وابتزازها لتحقيق مصالح شخصية أو الاستجابة لمطالب فئوية تخدم قواعدهم الانتخابية، خصوصا حين يسيطر الإسلاميين على تركيبة البرلمان.
دأب البرلمان الحالي على ابتزاز الشيخ صباح الخالد، منذ توليه رئاسة الوزارة، ومع الضغط المتزايد بالاستجوابات اضطر لتشكيل 4 حكومات في عامين فقط، وتوقف حال البلد في ظل الإغلاق عام ونصف العام لمواجهة فيروس كورونا، وحين نفد الاحتياطي العام من المال، رفض البرلمان اقتراح الحكومة السحب من صندوق الأجيال القادمة البالغ قيمته 600 مليار دولار مستثمرة في نحو 230 ألف شركة عالمية، لأنه بمجرد الموافقة على السحب منه لن يتوقف نزيف الخسائر.
أدرك نواب المعارضة والكتلة الإسلامية ضعف الحكومة أمامهم فزادوا الضغط عليها، خصوصا بعدما وافق الأمير نواف الأحمد، على العفو عن نواب المعارضة السابقين الصادرة بحقهم أحكاما بالسجن، فهربوا إلى تركيا منذ سنوات وعادوا أخيرا بعد العفو الأميري عنهم، ما زاد من ثقة النواب الحاليين فاستهدفوا الحكومة بمطالب شعبوية واستجوابات خصوصا للوزراء الشيوخ، بداية من وزير الدفاع بعد ساعتين فقط من أداء الحكومة القسم، فناقش الاستجواب وفنده وأفلت من طرح الثقة الجاهز سلفًا، وأمس كان استجواب وزير الخارجية وهو شيخ أيضا، وفي نهاية الجلسة قدم المستجوب كتاب طرح الثقة، لتبدأ الحكومة التنازل للنواب حتى تضمن تصويتهم مع الوزير في الجلسة المقبلة.
تضييق على الحريات
لا ننكر أن بعض الاستجوابات مستحق لكن البعض الآخر هدفه ابتزاز الحكومة الضعيفة والخانعة للنواب، حتى أن بعض الوزراء يتحرك ويصدر قرارات استجابة لما يثيره النواب في تغريدات، وتدريجيا زاد التضييق على الحريات العامة ومنع الأنشطة الترفيهية خشية المساءلة البرلمانية، رغم أن الكويت كانت محط الأنظار بانفتاحها واهتمامها بالفن والثقافة والإعلام وأصبحت رائدة التنوير في منطقة الخليج لعشرات السنين، إلى أن بدأ انفتاح الدول المجاورة في وقت سيطر فيه التيار الإسلامي على البرلمان بالكويت ليبدأ التراجع والتضييق على الحريات.
أظهر أحد النواب الإسلاميين العين الحمراء ل الحكومة خلال الأشهر الماضية، وهدد باستجواب الوزير المختص إن لم يأمر بإزالة التماثيل التي تزين أحد المجمعات، معتبرا أنها عودة إلى الوثنية، ورغم انتفاضة الشعب ضد الرجعية واستلهام نهج داعش وطالبان، إلا أن الحكومة استجابت وأزالت التماثيل، لتبدأ سلسلة تنازلات أمام نواب التيار الإسلامي.
قامت الدنيا ولم تقعد حين أعلن أحد النوادي الصحية النسائية عن دورة رقص شرقي للعضوات، فبدأ التهديد النيابي للحكومة لمنع الفساد، ورضخت الحكومة ومنعت الدورة رغم أنها معتادة في النوادي الصحية والفنادق، وعندما طالب الشعب خلال الاسابيع الماضية بإعادة تنظيم الحفلات الغنائية التي توقفت لعامين بسبب كورونا، إنبرى أحد النواب مهددا بالمساءلة لأن حفلات الغناء مفسدة ومخالفة لتقاليد المجتمع المحافظ، رغم أن الكويت رائدة بالمنطقة في إقامة المهرجانات الغنائية، التي نقلتها عنها باقى دول الخليج.
رفض النائب نفسه في الأيام الثلاثة الماضية، رحلة نسائية إلى مخيم في الصحراء لممارسة اليوغا، واعتبرها طقس هندوسي مخالف للعادات والتقاليد، وهدد باستجواب الوزير المختص، فأوعزت الحكومة إلى منظمي النشاط بإلغائه، في وقت اشتعل فيه الغضب الشعبي وأصدرت النقابات وجمعيات النفع العام بيانات استنكار لتضييق النواب على حرية الشعب، ومحاولة جعل الكويت قندهار الخليج بعدما كانت منارة إشعاع ولؤلؤة الثقافة والفن والإعلام.
نظمت نساء الكويت اعتصاما أمام مجلس الأمة، رفضا لتضييق النواب على الحريات، وساندهن الرجال عبر تويتر، بتغريدات منددة بمعارضة النائب الإسلامي حفلات الغناء والرياضة النسائية بدعوى الحفاظ على الأخلاق، وتداولوا صورته وهو رافع حذائه في قاعة البرلمان ليقذف به أحد زملائه خلال نقاش ساخن لإحدى القضايا، وسخروا من أن رافع الحذاء في البرلمان يرفض حفلات الغناء ورياضة النساء بدعوى الحفاظ على العادات والتقاليد..
وقارنت التغريدات بين الانفتاح المتسارع في دول الخليج بعد تشدد عشرات السنين، ومحاولة جر الكويت قسرا إلى النهج الداعشي، ولم يفت رواد تويتر نشر صورة مقال للإخواني سيد قطب في مجلة الرسالة مطلع الخمسينات طالب فيه بـإخراس أصوات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي وليلى مراد، لأنها تفسد العقول والقلوب!!، وطالبوا بتصدي الحكومة لأصوات الرجعية أو تشكيل حكومة قوية لا تخشى النواب.