تزامنا مع احتفال الكنيسة.. قصة الأنبا بولا الذي عاش 70 عاما وحيدا
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تذكار نياحة القديس العظيم أنبا بولا أول السواح.
وجاء في قصة القديس الأنبا بولا: ان بولس وبطرس شقيقان من الإسكندرية. بعد وفاة والدهما، شرَعا في قسمة الميراث بينهما، فأخذ بطرس الجزء الأكبر. تألم بولُس من تصرف أخيه الأكبر، وقال له: لمَ أعطيتني حصتي من ميراث أبي غير كاملة؟ فأجابه بطرس: لأنك صبي! وأخشى أن تبددها! أما أنا فسأحفظها لك. وإذ لم يتفق الأخوان، مضَيا للحاكم ليفصل بينهما.
وفيما الشقيقان ذاهبان، وجدا جنازة سائرة في الطريق، فسأل بولُس أحد المشيعين عن المتوفَّى، فقيل له إنه من عظماء المدينة وأغنيائها، وها هو قد ترك غناه وماله الكثير، ماضيًا إلى القبر بثوبه فقط. فتنهد بولُس وقال في نفسه: ما لي إذًا وأموال هذا العالم الفاني الذي سوف أتركه وأنا عريان؟! ثم التفت بولُس إلى بطرس، وقال له: ارجِع بنا يا أخي، فلن أطالبك بشيء مما لي! وفيما هما عائدان، انفصل بولُس عن بطرس، وسار في طريقه حتى وصل إلى خارج المدينة! فوجد قبرًا أقام به ثلاثة أيام يصلي إلى السيد المسيح أن يرشده إلى ما يرضيه. أما بطرس فإنه بحث عن أخيه كثيرًا، وإذ لم يقف له على أثر، حزِن حزنًا عظيمًا وتأسف على ما فرط منه.
أما بولُس، فقد أرسل إليه الرب ملاكًا أخرجه من ذلك المكان، وسار معه إلى أن آتى إلى البرّية الشرقية الداخلية، حيث أقام سبعين سنة لم يعاين فيها أحدًا، ملازمًا للعبادة والصلاة، يلبَس ثوبًا من ليف، ويأتيه من الرب غراب بنصف خبزة يوميًّا يقتات بها. ولما أراد الرب إظهار قداسته وبره، أرسل ملاكه إلى القديس الأب العظيم أنبا أنطونيوس ـ بعد أن أتاه فكر أنه هو أول من سكن البرّية ـ وقال له: في البرّية الداخلية إنسان لا يستحق العالم وطأة قدميه، وبصلاته يُنزل الرب المطر والندى على الأرض، ويأتي بالنيل في حينه.
وللوقت سار القديس أنبا أنطونيوس في البرّية الداخلية مسافة يوم، متشوقًا إلى رؤية القديس الذي سمِع به ونَيل بركته. فأرشده الرب إلى مغارة القديس أنبا بولا (بولُس)، فدخل إليه، وسجد كل منهما للآخر، وجلسا يتحدثان بعظائم الأمور الروحية. ولما صار المساء، أتى الغراب ومعه خبزة كاملة! فقال القديس أنبا بولا للقديس أنبا أنطونيوس: الآن قد علمت أنك من عبيد الله؛ فإن لي اليوم سبعين سنة والرب يرسل إليَّ نصف خبزة كل يوم، أما اليوم فقد أرسل الرب إليك طعامك أيضًا. والآن، أسرِع وأحضر إليَّ الحُلة التي أعطاها قسطنطين الملك للبابا أثناسيوس.
فمضى القديس أنبا أنطونيوس إلى القديس البابا أثناسيوس الرسولي، واستأذنه في حُلته، وعاد بها مسرعًا إلى القديس. وبينما كان القديس أنبا انطونيوس في طريقه إلى القديس أنبا بولا، وكان اليوم الثاني من أمشير سنة 341م، إذ يرى روح القديس أنبا بولا، والملائكة يُصعدونها! فلما وصل إلى المغارة وجده قد تنيح! فقبَّله باكيًا، ثم كفَّنه بالحُلة البابوية، وأخذ ثوبه الليف. ولما أراد القديس أنبا أنطونيوس دفن الجسد، حار كيف يَحفِر القبر! وإذا أسدان يدخلان عليه، وصارا يُخفضان بوجهيهما على جسد القديس، ويشيران برأسيهما كمن يستأذنان القديس أنبا انطونيوس فيما يريدان فعله!! فعلِم أنهما مرسلان من الرب، فحدد لهما مقدار طول الجسد وعرضه فحفرا بمخالبهما المساحة اللازمة بحسب ما حدد؛ وحينئذ وارى القديس أنبا أنطونيوس الجسد المقدس.
عاد القديس أنبا انطونيوس إلى البابا أثناسيوس وأعلمه بكل ما جرى من أمر نياحة القديس أنبا بولا؛ فأرسل رجالًا ليحملوا الجسد إليه، لكنهم قضَّوا أيامًا كثيرة يبحثون في الجبل دون فائدة حتى أضناهم التعب. فظهر القديس أنبا بولا للبابا أثناسيوس في رؤيا، وأعلمه أن الرب لم يشَأ إظهار جسده؛ فلا يُتعب الرجال؛ فأرسل البابا أثناسيوس يسترجعهم.
أما الثوب الليف، فكان البابا أثناسيوس يلبَسه سنويًّا في أعياد الميلاد والغطاس والقيامة. وفي أحد الأيام، أراد البابا أثناسيوس أن يعرِّف الناس مقدار قداسة صاحب الثوب، فوضعه على ميْت فقام لوقته؛ وشاعت هذه الأعجوبة في كل أرض مصر والإسكندرية.