التحريات الأمنية على مرشح الوظيفة القضائية
حديث طالب الجامعة لنفسه اليوم هو سلوكه تجاه مجتمعه في الغد، وما لم يكن المجتمع بجواره اليوم فلن يكون بجانب مجتمعه في الغد، وترتيبًا على ذلك فلابد لنا من بيان الحقائق الغائبة، التي تنتشر الشائعات في غيبتها، فلا يستسلم الشباب لما يُقدم لهم من أفكار مسمومة على أطباق من فِضة، ومن تلك الأفكار ما يجول بخاطر طالب كلية الحقوق المجتهد، ذي الأصل الطيب، فيحدثه أصدقاء السوء بأن الواسطة هي مقياس التعيين، ويضربون له أمثلة لحالات ممن شملهم التعيين في الهيئات والجهات القضائية، لا يعرفون عنها إلا التفاوت في الدرجات دون أن يعرفوا السبب الحقيقي في الاختيار، فيتسرب اليأس إلى أبنائنا، ويتضاءل الأمل في التعيين بالوظيفة القضائية في أعينهم، وكلمة السر هي الواسطة، بينما هناك معايير أخرى يلزم توافرها حفاظًا على هيبة القضاء.
حسن السمعة
يشترط فيمن يعين بإحدى الجهات أو الهيئات القضائية أن يكون مصريا حاصلا على ليسانس في الحقوق من الجامعات المصرية محمود السيرة حسن السمعة، ولم يحكم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رد إليه اعتباره، والغاية المرجوَّة من إجراء التحريات الأمنية على المرشح لوظيفة قضائية هي اختيار أفضل العناصر للقيام بمهام الولاية القضائية، لذا اشترط المشرع عدة شروط فيمن يلتحق بأي من الجهات أو الهيئات القضائية.
ومن بين هذه الشروط وأهَمَّهَا حسن السمعة، ولكي تتحقق الهيئة القضائية من توافر هَذَا الشرط أعدَّتْ وثيقة تعارف أو بيانات أو أي كان مسمَّاها، ليكتب ويذكر المرشَّح بيانات صحيحة عن نفسه وعن أسرته للتحرِّي عنه والتأكُّد من صحَّة هَذِهِ البيانات والاستيثاق من أنه يَتَمَتَّع بحسن السير والسّمْعَة والسلوك القويم بين أقاربه وأهله وذويه، وأنه لا يوجد من بين أقاربه من يلحق به عيب فِي سلوكه أو شطط فِي تصرُّفاته أو خطر عَلَى مجتمعه، وتِلْكَ التحريَّات تكون شاملة وفِي كل مناحي الحياة وبخاصَّة فِي أبعد ما يتصوَّر من خطر عَلَى المجتمع وهُوَ الجريمة، فذكر بيانات الأقارب لَيْسَ مقصودًا لذاته وإنَّما لعلَّة التأكُّد من حسن سمعة المتقدم.
مفهوم الأسرة
ومفهوم الأسرة الذي يؤثّر فِي شخصية الفرد يختلف باختلاف الظروف زمانًا ومكانًا وحالًا ومآلًا وعددًا وتعداد وثقافة ومنهجًا، كما يختلف باختلاف الوَظِيفَة الَّتِي سوف يتقلَّدها الشخص، قيمة وقامة وهيبة ومهابة وقدرة وقدرًا، كما يختلف أيضًا باختلاف الجرائم أو المسلكيات المنسوبة لأحد أفراد أسرته نوعًا وعددًا وتكرارًا وعودًا ومن ثمَّ فإن التَّعْيِين فِي الْوَظَائِف القَضَائِيَّة يتطلَّب قدرا كبيرًا من إمعان وإنفاذ البصر فِي حال وأحوال ومسلكيات أسرة المترشّح وذويه، وكل من ورد ذكره فِي أوراق رسمية، وهَذَا المبدأ سيرتّب نتيجة حتمية هِيَ أن مفهوم الأسرة سينظر إِلَيْهِ فِي كل حالة عَلَى حدة، ابْتِغَاء الحق ووصولًا للعدل.
والمشرع لَمْ يحدّد أسباب فقدان حسن السُّمْعَة والسيرة الحميدة عَلَى سبيل الحصر، وأطلق المجال فِي ذلِكَ للجهة الإدَارِيَّة تحت رقابة القضاء الذي تجرى أحكامه عَلَى أن السيرة الحميدة والسّمْعَة الحسنة هِيَ مجموعة من الصفات والخصال الَّتِي يتحلَّى بِهَا الشخص فتكسبه الثقة بالنفس وتجنّبه قالة السوء وما يمسّ الخلق، ومن ثمَّ فهي تلتمس فِي أخلاق الشخص نفسه، إذ هِيَ لصيقة بشخصه ومتعلّقة بسيرته وسلوكه ومن مكوّنات شخصيته، ولا يؤاخذ عَلَى صلته إلا فيما ينعكس مِنْهَا عَلَى سلوكه.
وأن شرط حسن السمعة من الشروط الَّتِي يَتَعَيَّن توافرها فِي المرشَّح وذويه من أسرته الَّتِي يتأثَّر بمسلكهم، فسمعة المرشَّح يمكن أن تتأثَّر بمسلكه الشخصي أو الخلقي أو بأوضاع تحيط به يمكن أن يكون لَهَا تأثيرها عَلَى عمله مستقبلًا كعُضْو هَيْئَة قضائية، كما أن مستوى حسن السٌّمْعَة يتفاوت تبعًا لتفاوت الوَظِيفَة وخطورتها ومسئولياتها فما قَدْ تتساهل فِيهِ الإدارة بالنسبة لوظائف معيَّنة قَدْ تتشدَّد فِيهِ بالنسبة لوظائف أُخْرَى كالقضاء، لما لهَذِهِ الْوَظَائِف من أهمية وخطورة تتطلَّب فيمن يشغلها مستوى خاصًّا من حسن السمعة.
إساءة استعمال السلطة
ومن ثمَّ فلا، لوم أو عتاب عَلَى جهة الإدارة وهِيَ فِي سياق مفاضلتها بين المرشَّحين لشغل الوَظِيفَة القَضَائِيَّة فِي تقدير تخلُّف حسن السٌّمْعَة فِي المرشَّح أن تنتقي من بين المتساوين فِي ذَات المركز القَانُونيّ من حاز النصيب الأوفر من نقاء حسن السمعة، ولا يجوز للمَحْكَمَة أن تحل نفسها محل هَذِهِ الجهة فيما وسد إِلَيْهَا من اختصاص مَتَى استمد هَذَا التقدير من وقائع وأسباب وأدلَّة تبرّره وخلا تقديرها من إسَاءِة اسْتِعْمَال السُّلْطَة أو الانحراف بها.
كانت هذه جولة مع أحد جوانب إختيار أعضاء الهيئات والجهات القضائية، وهناك جوانب أخرى قد يتسع لها المجال مستقبلًا فيتسع أفق أبنائنا الطلاب، وينشطون للتنافس الشريف لنيل أعلى الدرجات، ليبدأوا حياةً كلها تفاؤل بوظيفة لائقة بمفاهيم الجمهورية جديدة.. وللحديث بقية.