بيان بكين.. إعادة توزيع القوة فى العالم
بينما تمضى الأزمة الأوكرانية الروسية في مسارين متوازيين، الدبلوماسية بالزيارات والاتصالات، وتجهيز القوات على الجانبين، تطلق كل من بكين وموسكو ما يمكن أن يوصف ببيان الرفض والتحدى، رفض السياسات الأمريكية وإعلان مواجهتها بجهود صينية روسية مشتركة.
فقد أصدر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شى جين بينج.. بيانا يعتبره المحللون هو الأقوى، فى تفنيد وتوصيف سلسلة الادعاءات الأمريكية بل ويعلن العزم على مواجهتها معا بدءا من اتهام الصين بتخليق فيروس كورونا إلى ذريعة حقوق الانسان الى الديمقراطية، ومرورا بالثورات الملونة.
أبرز ما جاء فى البيان المشترك إظهار حاجة البشرية إلى إعادة توزيع القوة، ووجود تعددية قطبية بفعل التقدم التكنولوجي والاقتصادى الملحوظ، ومن المعروف أن هذين التطورين لم يعودا حكرا على نصف الكرة الغربى. بالإدانة تناول البيان ذريعة حقوق الانسان والديمقراطية بشكل حاسم ولاذع، واعتبرهما سبيلين للمساس بسيادة الدولة الوطنية وهو ما لن تقبله الدولتان تحت اى حجة او ذريعة..
تقارب صيني روسي
واعتبرت الدولتان أن الديمقراطية وسيلة لاشراك الشعوب في إدارة بلادها، لكن لا توجد ديمقراطية بمقاس واحد وحجم واحد تصلح لكل شعوب العالم، فلكل أمة تقاليدها وخصائصها الاجتماعية وشخصيتها الفريدة، ولا يقبل من احد فرض نموذجه على الدول الاخرى، كما لا يقبل أن يكون أمن دولة على حساب دولة أخرى. أقر البيان نقطتين حاسمتين: تايوان والصين ارض واحدة. وبالنسبة لأوكرانيا فإن بكين تويد الموقف الروسي كلية: لا لتمدد حلف الأطلنطى، ونعم للضمانات الأمنية التى تطلبها روسيا من الغرب.
يمكن القول أن التقارب الصيني الروسي الوثيق هذا يعد ثمرة كبيرة للسياسة الأمريكية في المحيط الهادى وفى شرقي أوروبا. وهو نجاح للفشل الأمريكي بتعبير غربي ساخر. استراتيجية تحديد العدو التى تأخذ بها واشنطن، وضعت بكين العدو رقم واحد لها في العالم. توصيف بكين بالعدو نشأ عن الطفرة التكنولوجية والتسليحية الهائلة للصين، فضلا عن النمو الاقتصادي غير المسبوق، وتحقيق احتياطي نقدي تجاوز الأربعة عشر تريليون دولار، ثاني أكبر رصيد في العالم بعد الاحتياطي الأمريكي البالغ عشرين تريليونا.
طيلة حقبة الرئيس السابق ترامب، تعرضت الصين لخطاب كراهية محتدم ومحتقن من البيت الأبيض، بسبب التفوق الاقتصادي وتراجع الصادرات الأمريكية ثم بسبب ما اتهمها به ترامب من تخليق وتوريد فيروس كورونا واصابة العالم به.. واعتبرها المجرم الأول القاتل! ومع بايدن لم يتغير الموقف كثيرا.. بل تعقد أكثر.
بصرف النظر عن المجهود الاستراتيجي الأمريكي من الشرق الأوسط إلى المحيط الهادي، واستخدام واشنطن شرقى أوروبا لتعزيز وجودها واتخاذ الأزمة الأوكرانية الروسية طوقا لتحجيم روسيا وإلهائها، واحتوائها وفرض العقوبات عليها، وهو ما اعتبرته الصين وروسيا سياسات تنتمى لعصر قديم انتهى..عصر الحرب الباردة التقليدية وهو ما لا يمكن قبوله في حقبة تتعدد فيها الأقطاب.
البيان الروسي الصيني بيان مواجهة حاسم، ولابد أنه موضع تحليل، واستخلاص في مراكز التفكير بالغرب لأنه خط فاصل بين الشرق والغرب. وسيكون هذا البيان موضع اختبار حقيقي على الأرض الأوكرانية.. أو إذا صعدت واشنطن من دعمها لتايوان المارقة عن الصين.. ولايزال المشهد مفتوحا.