3 رؤساء فى إشارات متناقضة
في المكالمة الأخيرة -الخميس الماضي- بين الرئيس الأوكراني زيلنسكى والرئيس الأمريكي جو بايدن، اختلف موقف الرئيسين اختلافا كبيرا أثار استياء بايدن، بالرغم من المساندة العسكرية والدبلوماسية التى تقدمها واشنطن لكييف ومن خلفها الاتحاد الأوروبي. ورغم إعلان البيت الآبيض والرئاسة الأوكرانية أنه ليس صحيحا وقوع خلاف بين الدولتين أثناء الاتصال التليفونى، إلا أن مصادر من داخل أوكرانيا ومن داخل واشنطن أكدت حدوث هذا الاختلاف وهو ما أكدته شبكة CNN.
وقف الرئيس الأوكراني يبرئ تقريبا الرئيس الروسي بوتين من نية الغزو، وأن نهج بايدن هو تضخيم الخطر الروسي عمدا، وأن لندن وواشنطن ارتكبتا خطأ إذ أمرتا رعاياهما وموظفى السفارتين بالإخلاء الفوري، مما سبب ذعرا لدى الشعب الأوكراني ورفع تكلفة القروض على الخزينة الأوكرانية..
حجج بايدن
أما موقف الرئيس الأمريكي فإنه ضاق بزلينسكى ونكوصه عن موقفه فى نوفمبر الماضى، وأنه صار مثيرا للاستفزاز، ومع ذلك مضى بايدن يسوق له الحجة تلو الحجة على أن الجيش الروسي سوف يجتاح كييف خلال أسبوعين. وقدم لرئيس أوكرانيا صورا بمنظومات الدفاع الصاروخي الروسية ال١٢ ذات ال ١٤٤، نصبت في بيلاروسيا حليفة موسكو التى من المتوقع أن تبدأ منها القوات الروسية الغزو فضلا عن شرقي أوكرانيا في منطقة دونباس الصناعية، حيث الانفصاليون الروس!
لماذا يرفض رئيس أوكرانيا حجج بايدن؟
يرى أن أمريكا تستغل الموقف اعلاميا وعسكريا للضغط على موسكو، وهى تستعمل كييف فى هذا الصد على نحو يخيل للعالم أن الدبابات الروسية تتسكع فى شوارع أوكرانيا. إثارة حالة الذعر داخل البلاد، لا تجعل الاقتصاد يتداعى داخليا فحسب بل يعطل الاستثمارات الخارجية، ويعقد موقف أوكرانيا مع مؤسسات التمويل الدولية. ويمكنك ان تتصور موقف بايدن إذ هو مندفع بحماس للدفاع عن الضحية المحتملة والأخير يقول له: أنت تبالغ.. أنا بخير.. لا تستعملنى!
مقتضى المشهد المتسارع الاحداث أن زيلنسكى يصدق موسكو ويتشكك فى موقف واشنطن والغرب. يسوق بايدن حجة أخرى لاقناعه.. لماذا أعطيك مساعدات عسكرية بمائتى مليون دولار، ولماذا اوافق لدول البلطيق باعطائك مساعدات أخرى مماثلة، ولماذا تمنحك بريطانيا صواريخ ورادارات.. أن لم تكن الاشارات بغزو روسي كبيرة جدا وقوية؟
أوراق روسيا
وكان بوتين حرك بالفعل ١٢ منظومة صاروخية. كل منها يحمل ١٢ صاروخا، ورصدت الأقمار الامريكية زيادة فى عدد القوات الروسية حول أوكرانيا حتى بلغت ١٣٠ ألف جندى، والغزو يحتاج ١٧٥الفا في تقديرات غربية، كما رصدت استعدادات طبية، وعربات إسعاف وإمدادات الدم. لم يتبق سوى قرار الاجتياح. لكن صاحب القرار أكد مرارا أنه لا جتياح، وكان قال مثل ذلك ثم حشد القوات وأسرع فاستعاد شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.. وعلى الجانب الآخر، وأنظر التناقض الأمريكي، يعلن بايدن أن القوات الامريكية لن تشارك في عمليات داخل أوكرانيا.. لكن الناتو سيتدخل!
ربما كان ذلك كله في إطار خطة تحفيز الفريسة على دخول أرض الالغام، كما فعلوا مع صدام حسين. لكن بوتين ليس صدام، ولا روسيا هي العراق.
المأساة أن كل الأطراف تدرك الثمن البشرى الفادح الذي سوف يقع إن أطلقت رصاصة واحدة، فضلا عن العواقب الاقتصادية المدمرة في ثاني أخطر حرب محتملة تشهدها القارة العجوز منذ تفكيك يوجوسلافيا.
لكن روسيا لم تكشف بعد كل اوراقها، وإن صعدت مع الاتحاد الأوربي كمؤسسة، لكنها تتعامل مع باريس بوصفها باريس، مستجيبة لتدخل فرنسي نشط لنزع فتيل التصعيد. صحيح لم تكشف، لكنها حددت الموقف بحزم: لن نقف مكتوفي الأيدي إذا مست المصالح الأمنية الروسية. ثم بحزم ذي دلالة: لن نغزو أكرانيا إذا توقف الأمر علينا..
وهذه العبارة الدبلوماسية تعد واحدة من أذكى الصياغات، فهى مفتوحة المعانى، وترمز إلى أن أفعال الخصم ومن وراءه، هي وحدها التى ستجبر موسكو على خوض الحرب.. أما موسكو فهى لاتريدها. بعبارة نهائية: نخوض الحرب مضطرين..
المشهد مفتوح.. بين ثلاثة رؤساء، أحدهما الضحية المحتملة يرفض تصديق بايدن المدافع عنه، ويراه يبتز موسكو به، ويبالغ، ويصدق المهاجم المحتمل بوتين ويرى القلق الناجم عن حشود ٢٠٢٢ أقل بكثير من القلق الناجم عن الحشود الروسية ٢٠٢١.
ونتابع..