قصة البطلان الجزئي في قانون المرافعات.. كتاب جديد للمستشار ياسر نبيل
البطلان الجزئي في قانون المرافعات للأعمال الشكلية والتصرفات والاتفاقات الإجرائية والحكم القضائي ونظرية انتقاص العمل الإجرائي، دراسة علمية وعملية لنسبية أثر الإجراءات مع تعدد الخصوم، عبر كتاب للمستشار الدكتور ياسر نبيل عبد الحميد حمدي، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، يستعرض من خلاله التشريعات الإجرائية الحديثة التي تسعى إلى تقنين الأخذ بمبدأ البطلان الجزئي الإجرائي، وليس البطلان الكلي.
وحدد القسم الأول في الكتاب إطار معالجة فكرة البطلان الجزئي الإجرائي من خلال ربطها بخيوط متلاحمة مع تطورها التاريخي لوسائل الحد من آثار البطلان باعتبارها فكرة استدعتها الضرورة الإجرائية كنتيجة طبيعية لتطور الفكر القانونى للحد من آثار البطلان إلى أقصى درجة، والعوامل التى أدت إلى تقنينها فى التشريعات المقارنة وآثارها على النصوص القانونية الأخرى المنظمة للتجزئة المنقولة من التشريعات المقارنة للوقوف على تماثل الاعتبارات التى أدت لتقنينها وفائدتها من خلال تطبيقاتها العملية لكى نمهد للمشرع لتعديل بعض النصوص على أساس علمى صحيح.
واستعرض المستشار الدكتور ياسر نبيل صور أثار البطلان الجزئي للأعمال الإجرائية الشكلية المركبة والبسيطة، مستعرضين مفهوم البطلان الجزئى للعمل الإجرائى بمعناه الواسع، ومدى تفاعل نص المادة 24/2 مرافعات المستحدثة مع النصوص الأخرى التى تنظم التجزئة والارتباط الإجرائى وبما تفرضه قابلية الخصومة للتجزئة، أو عدم قابليتها للتجزئة من حلول مختلفة ولاسيما تشبيه المشرع الصريح بموجب نص المادة 218/2 مرافعات بين حالة التضامن وعدم التجزئة رغم عدم وجود مبرر للحرص على أن يكون الحل واحدًا بالنسبة للمتضامنين متى كان الموضوع قابل للتجزئة.
خطأ القاضي
كما تطرق الكتاب للحكم القضائي المنتقص مطلقين مفهومنا لطرق مراجعة الأحكام بغير طريق الطعن فيها بإرادة المشرع باعتبارها أحكاما منتقصة حظر المشرع الطعن فيها، رغم أن الطريق الطبيعي إذا حدث خطأ فى الحكم يستوجب تصحيحه أو إزالة الغموض عنه أو إستكماله بأن يتم الطعن فيه بالبطلان لأنه نتيجة خطأ القاضي.
وأكد المؤلف إلى أن التسمية الملائمة لتلك الأحكام الصادرة غير مستنفدة كامل الولاية كمحاولة لضبط المصطلح هى أحكام منتقصة، وأن مسلك المشرع بالرجوع إلى ذات المحكمة للفصل فيما أغفلت فيه من طلبات لم يكن موفقا، مستدل على ذلك بما تثيره نص المادة 193 مرافعات من مشكلات فى التطبيق نتيجة خطأ القاضي من حيث الميعاد المحدد لتقديم طلب الإستكمال وأختلاف خصائص وأوصاف الرجوع لاستكمال الحكم طبقًا لنص المادة 193 بحسب مرحلة التقاضى التى تباشر فيها، وبما يصطدم مع نص المادة 212 مرافعات، وبما يؤدى إلى التناقض بين النصوص المنظمة للطعن.
وأوضح المستشار ياسر نبيل أن الأحكام المنتقصة لا تعد استثناء من قاعدة إستنفاد الولاية كان يستوجب الطعن عليه بالبطلان الجزئي، ولاسيما فى ظل تقنيين نص المادة 24/2 مرافعات التي يتسع نطاقها للطعن بالبطلان الجزئي في مثل تلك الأحوال لسرعة حسم النزاع،كما ناقشنا من خلال هذا البحث المدلول اللفظى لتجزئة التصرفات والاتفاقات الإجرائية بإرادة الأطراف وتعريفنا لها واستخلاص صور بطلانها جزئيا بما تستوجب تطبيق قواعد تختلف عن باقى الأعمال الإجرائية فى ضوء عجز نص المادة 24/2، لنؤكد على أن رائد المشرع من تقنين نص المادة 24/2 ليس فقط باعتبارها أحد وسائل الحد من آثار البطلان للإجراءات الشكلية.
التصرفات الإجرائية
بل إنها تمتد وإن لم تبلغ حد الكفاية إلى البطلان الجزئى للاتفاقات والتصرفات الإجرائية متى اتخذت فى أحد الأشكال التى استوجبها قانون المرافعات او كانت مخالفه للنظام العام، والتى تخضع ايضًا لقواعد خاصة على خلاف القواعد التى تخضع لها الأعمال الشكلية أذا اتخذت فى تلك الأشكال وشابها عيب من عيوب الإرادة مستعرضين سلطة القاضي عند القضاء بالبطلان الجزئي لتلك الاتفاقات التصرفات الإجرائية والمراحل التى يمر بها للقضاء ببطلانها جزئيًا.
وفى القسم الثانى بين المؤلف مسلك المشرع فى الطعن المباشر استثناء فى الأحكام الصادرة قبل صدور الحكم المنهى للخصومة كلها طبقا لنص المادة 212 مرافعات باستخلاص صور الطعن المباشر فى الحكم الجزئى القابل للتنفيذ الجبرى والتى هجرتها التشريعات الأخرى، وما ترتب عليه من فتح المجال لحالات أخرى استنادًا إلى عدم توفر العلة من الحظر مما يؤدى إلى تعطيل سير النزاع وإطالة أمد التقاضى، وبينا رأينا بأنه يجب أن يقتصر الأمر على الطعن المباشر على الأحكام الوقتية والمستعجلة فقط الصادرة أثناء سير الخصومة لعدم تعلقها بالحق الموضوعى، ولا يترتب على الطعن المباشر فيها عرقلة إجراءات التقاضى.
كما استعرض فلسفة الاستئناف فى التشريعات المقارنة،وكذلك تناولنا وجهة نظرنا من أن الطعن بالبطلان الجزئى آداة فنية تتفق مع أصل وظيفة الاستئناف فى القانون المصرى وليس استثناء وظيفى،لكون رائد المشرع المصرى من الاستئناف هو إصلاح عيوب الحكم وليس هدفه بطلانه،وبينا سلطة محكمة الاستئناف عند إلغائها حكم أول درجة فى التصدى لنظر الموضوع فى ضوء مبدأ التقاضى على درجتين المخلص له المشرع المصرى،ومبدأ استنفاد ولاية المحكمة والتى لا توجد نصوص صريحة تنظمهما فى قانون المرافعات، وإنما هى تطبيقات لاجتهاد الفقه والقضاء حول قاعدة استنفاد المحكمة ولايتها أو عدم استنفادها المستمدة من القواعد العامة وأصول المرافعات.
التمسك بالبطلان
وتناول المستشار الدكتور ياسر نبيل خصوصية التمسك بالبطلان الجزئى فى هيكل خصومة الطعن بالنقض وصوره، مستعرضين الجانب التطبيقى لفكرة البطلان الجزئى وشروط التمسك به واختلاف سلطة محكمة الاستئناف عن سلطة محكمة النقض في إثارة البطلان الجزئى المتعلق بالنظام العام،وفى الدفوع الإجرائية متى أخذت شكل السبب الجديد الذى يمكن التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض،أو إثارتها من تلقاء نفسها متى كان متعلق بالنظام العام، وتضمن الكتاب التوصيات التالية:
أولًا: من أجل تحقيق الاستقلالية لقانون المرافعات نأمل أن يضيف المشرع لنص المادة 24/2 مرافعات بما يتسع نطاقها لبطلان التصرفات والاتفاقات الإجرائية بحيث يجرى النص على النحو التالى "إذا كان الإجراء الشكلى باطلًا فى شق منه فإن هذا الشق وحده هو الذى يبطل،كما يبطل شق من التصرف الإجرائى وحده" من أجل تحقيق الكفاية الذاتية لقانون المرافعات للقضاء بالبطلان الجزئى فى كافة الأعمال الإجرائية بمعناها الواسع، ولاسيما فى الخصومة متعدده الاطراف إذا أردنا التجديد والتطور.
محكمة الاستئناف
ثانيا: ونوصى المشرع من أجل تبسيط الإجراءات كما هو الوضع فى خصومة التحكيم أن يقتصر تعديل نص المادة 212 مرافعات فى أضيق الحدود، بأن يقتصر فقط على الطعن المباشر على الأحكام الصادرة أثناء سير الخصومة الوقتية والمستعجلة فقط طبقا للفلسفة التى تنتهجها التشريعات المقارنة.
ثالثا: وأن يبحث المشرع المصرى عن أدوات فنية تكفل لنظام الطعن بالاستئناف أن يؤدى وظيفة أخرى جديدة إلى جانب وظيفته التقليدية، بأن يساير نهج المشرع الفرنسى بتغيير مفهومه للاستئناف بأن يجعله بجانب وسيلة لإصلاح الحكم وسيلة لإنهاء النزاع كله أمام محكمة الدرجة الثانية، بأن يتنازل عن مبدأ التقاضى على درجتين المخلص والمقدس له، والذى لا يرقى إلى مرتبة المبادئ الدستورية إلا بشروط معينة لمجابهة التطور ولسرعة الفصل فى المنازعات ليتلائم مع نهج التشريعات الحديثة بتطوير وظيفة الاستئناف لتصبح وسيلة لإنهاء النزاع كله أمام ثانى درجة بالتخفيف من قاعدة التقاضى على درجتين بحيث تصبح غير متعلقة بالنظام العام، بما يجوز التنازل عنها لمن قررت لمصلحته وبالتدخل فى الخصومة لأول مرة أمام محكمة الاستئناف لحسم النزاع، وذلك بتعديل المادتين 235 ــ 236 من قانون المرافعات لتسمح بقبول طلبات جديدة والتدخل من الغير لأول مرة أمام محكمة الاستئناف لحسم النزاع نهائيا.
الفقه والقضاء
رابعا: يرى المؤلف أن يقنن المشرع المصرى اجتهاد الفقه والقضاء حول قاعدة استنفاد المحكمة ولايتها أو عدم استنفادها،وكذلك تقنين كافة القواعد المستمدة من القواعد العامة وأصول المرافعات،إذ لو أفرغت فى نصوص واضحة لكان ذلك أفضل.
خامسا: ويأمل المستشار الدكتور ياسر نبيل تعديل نص المادة 193 مرافعات باعتبار ما أغفلت المحكمة الفصل فيه من طلب موضوعى هو حكما منتقصا نتيجة لخطأ القاضي، وليس استثناء على قاعدة استنفاد الولاية كان يتعين طبقا للقواعد العامة الطعن فيها بالبطلان الجزئى لخطأ القاضى، ولاسيما بعد تقنين المشرع نص المادة 24/2 مرافعات.
سادسًا: إعادة صياغة نص المادة 218 مرافعات من أجل إزالة التشبيه الصريح بين حالة التضامن، وعدم التجزئة لعدم وجود مبرر للحرص على أن يكون الحل واحدًا بالنسبة للمتضامنين متى كان الموضوع قابل للتجزئة، على أن يضاف للمادة 218 فقرة ثانية على النحو التالي: إذا كان الحكم صادرًًا فى موضوع قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن غير قابل للتجزئة أو فى......." لتجنب تشبيه المشرع الصريح بموجب الفقرة الثانية من المادة 218 حالة التضامن بحالة عدم التجزئة.