المشكلة في الزمار وليست فيمن يدفع له!
عندما كنت مديرا لتحرير مجلة المصور دعيت لحضور لقاء صحفى دعت إليه سفارة إحدى الدول العربية الخليجية للقاء مع وزير إعلامها الذى كان يزور القاهرة.. وبعد أن انتهى اللقاء فوجئت بمدير مكتب الوزير العربى يقدم لى مبلغا ماليا في مظروف وقال لى إنها هدية من الوزير بمناسبة زيارته للقاهرة.. رفضت بحسم وبعد أن غادرت الفندق اتصلت بالمستشار الإعلامى لسفارة هذا البلد الذى كنت على سابق معرفة به، وأبديت استيائى مما حدث.. وقلت له أنكم لا تكسبون بذلك أصدقاء وإنما عملاء سوف يبيعونكم لمن يدفع أكثر!
لكن للأسف هذا النهج في التعامل مع الصحفيين المصريين من قبل بعض الدول العربية الخليجيةَ لم يتوقف، بل لعله اتسع وصار يشمل إعلاميين ومثقفين ورياضيين وفنانين أيضا.. والأسف الأكبر إن من يدفع الأموال يجد من يقبلها، ولا يفعل ذلك خفية وإنما يتباهى بذلك ويتفاخر به، والأكثر من ذلك يبادر بالطلب ويهتم أن يحصل على ما هو أكبر مما حصل عليه آخرون.. أى أن المشكلة هنا ليست فيمن يدفع، وإنما فيما يأخذ ويقبل بذلك!
المال السياسي
ومسألة الدفع لكسب المؤيدين والأنصار ليست أمرا جديدا أو هو عمل حصرى لدول عربية خليجية فقط، بل هو نهج سنته المخابرات المركزية الامريكية فضحت أسراره كاتبة بريطانية في كتاب مهم لها اختارت له عنوان الحرب الثقافية وتم ترجمته للعربية بعنوان من يدفع للزمار، لآن الكتاب يفضح بالمعلومات الموثقة انخراط المخابرات المركزية في تمويل أنشطة صحفية وثقافية عديدة لاحتواء عدد من اليساريين في ذروة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى السابق.. بل إن المخابرات المركزية قامت بتعميم هذا النهج ليشمل الدفع للنشطاء السياسيين والحقوقيين في إطار السعى لتغيير بعض الأنظمة السياسية التى لا تروق لأمريكا..
وعندما افتضح هذا الأمر انسحبت المخابرات الأمريكية من الصورة بعد أن أوكل الأمر إلى منظمة الوقف الامريكى للديمقراطية وذراعيها المعهد الديمقراطي التابع للحزب الديمقراطى والمعهد الجمهورى التابع للحزب الجمهورى، وقد كشفت عن ذلك في كتابى أسرى المال السياسى الصادر منذ نحو عشرة أعوام مضت والذى تضمن في ملحق له أسماء الشخصيات والمنظمات المصرية التى تلقت أموالا سرية أمريكية فى الشهور الخمسة الأولى من عام ٢٠١١..
وهى الأسماء التى ما كان أن يكتشف أمرها لولا إصرار المشير طنطاوى وقتها رئيس المجلس العسكرى الذى كان يدير شئون البلاد على أن تقدم آن باترسون السفيرة الامريكية الجديدة بالقاهرة مع أوراق اعتمادها له كشفا بالأسماء والأموال المقدمة سرا لمصريين.
أما في كتابى أموال الإخوان فقد كشفت بالمعلومات أيضا كيف حظى الإخوان منذ اليوم الأول لتأسيس جماعتهم بأموال عربية أيضا ساعدت تلك الجماعة على التوسع والانتشار وأن تصبح في غضون أقل من عقدين أغنى مؤسسة سياسية في البلاد..
المهم إن إستهداف المثقفين والصحفيين والفنانين المصريين بالأموال من خارج البلاد هو أمر مستمر ولم يتوقف حتى الآن لآن هناك من يقبل بهذه الأموال، بل ويتهافت للحصول عليها وصار يطلبها علنا وبدون خجل أو الإحساس بالإهانة، وهكذا المشكلة ليست فيمن يدفع للزمار وإنما في الزمار الذى يقبل أن يأخذ ويتباهى بذلك علنا ولا يستتر في ممارسة تلك البلاوى !