ثورة أم مؤامرة؟!
عقد كامل مضى ونحن مازلنا نختلف حول طبيعة ما حدث وعشناه فى يناير وفبراير عام ٢٠١١.. فإن البعض منا يراه ثورة والبعض الآخر يراه مؤامرة.. وسيمر عقد آخر وسيظل هذا الخلاف قائما.. بل ستمر عقودا عديدة ولن يحسم أمر هذا الخلاف!.. والدليل أننا لم نتفق على طبيعة أحداث كثيرة مهمة شهدتها البلاد في العصر الحديث، وتبدو خلافاتنا حولها صارخة مثلما هو قائم بخصوص أحمد عرابى..
فهناك من اعتبره خائنا قاد تمردا أفضى إلى إحتلال الإنجليز للبلاد لنحو ثلاثة أرباع قرن.. وهناك أيضا من أعتبره بطلا جسورا قاد ثورة عظيمة للتخلص من الاستبداد والهيمنة الأجنبية وتصدى بشجاعة للغزو الإنجليزي للبلاد ولولا الخيانة التي تعرض لها وتواطؤ الخديوى لكان حقق النصر!
لذلك سيبقى معنا مع مرور السنوات هذا الخلاف حول ما حدث في يناير ٢٠١١.. والسبب أننا نحكم على الأمور والأحداث حتى ولو عشناها من خلال منظور مصالحنا فقط.. فمن تضررت مصالحهم يعتبرون ما حدث فى يناير ٢٠١١ وكسة ونكسة ومؤامرة.. ومن كانوا يراهنون على ما حدث لتحسين أحوالهم فإنهم يعتبرون ما حدث ثورة عظيمة تم إجهاضها بفعل فاعل مع سبق الإصرار والترصد، وإن ثار خلاف حول هذا الفاعل أيضا!
وبوصفى دارسا للعلوم السياسية وبعد دراسة مستفيضة سجلتها في ثمانية كتب بدءا بكتاب الساعات الأخيرة من حكم مبارك وحتى كتاب ٣٣٥ يوما من حكم المستشار، يمكننى القول إن ما حدث فى يناير ٢٠١١ كان انتفاضة شعبية كبيرة.. لكن هذه الانتفاضة اقترن بها أيضا مؤامرة أمريكية استهدفت هندسة منطقتنا سياسيا بتغيير الأنظمة السياسية الحاكمة فيها وتمكين الإخوان من الحكم في بلادها وعلى رأسها مصر.. وقد حققت الإنتفاضة الجماهيرية فقط أول أهدافها وهو إجبار مبارك على ترك الحكم، بينما حققت المؤامرة آخر أهدافها بتمكين الإخوان من حكم البلاد، ولذلك احتجنا لانتفاضة جماهيرية جديدة مع تدخل القوات المسلحة للتخلص من هذا الحكم.