علي جمعة: شاع في الآونة الأخيرة نموذج المسخرة.. والإبداع ليس في التفلت
علق الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، على نموذج الفن غير الهادف، ووصفه بـ "المسخرة" الذي يهرف بما لا يعرف، قائلًا: "ليس الإبداع في التفلت، ولكن الإبداع معاناة حقيقية من أجل الأدب والفن، والشرع يأمر أن نرجع إلى الحقائق لا إلى الأوهام، وإلى الواقع لا إلى الخيال المريض"
نموذج المسخرة
وكتب علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "لقد شاع في الآونة الأخيرة نموذج المسخرة الذي يهرف بما لا يعرف، وليس عنده أصول يقيس عليها، ولا عنده مبادئ يلتزم بها، ووجب علينا جميعًا أن نأخذ على أيدي هؤلاء المساخر- ومساخر جمع مسخرة- فإن فلسفة حديث السفينة يجب أن تستقر في وجداننا"
وقال جمعة مستعينًا بحديث السفينة: "ونص حديث السفينة: يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا».
تحريم المعاصي
وأضاف جمعة "من السخرية القبيحة أن نهدم الرمز، أو نهدم المؤسسة، أو نهدم النظام، أو نهدم الثوابت، أو نهدم المطلق، فالكذب قبيح رغم شيوعه في البشر، حتى إن آخر الأبحاث ترى أن أشد الناس التزامًا بالصدق يقع في الكذب مرتين على الأقل يوميًّا، وما زال الناس في الشرق والغرب ينعون على الكذب".
وتابع: "وسيظل الزنا والخنا والسب والقذف حرامًا، وستظل السرقة والاغتصاب حرامًا مهما شاع وذاع أو قيل من بعضهم، ولابد أن نُعلِّم أبناءنا أن هناك فارقًا بين تحريم المعاصي وأنها معاصي وقبائح وبين وقوعها في الحياة، والتي لم يخل منها عصر، وستظل أبدًا حرامًا، وستظل أبدًا يقع فيها الناس، بل كثير من الناس".
استحسان القبيح
وعن استحسان الأفعال التي وصفها بالقبيحة قال جمعة: "هناك فرق يجب أن نؤكد عليه بين وصف الفعل بالقبح؛ كشرب الخمر، والعري، وتقلب المرأة بين أحضان الرجال، وهو ما حرمه كل دين وكل ملة، وبين أن يقع الناس في هذا أو يستحسنوا فعله، والرابط بين المثال والواقع حالة الإنسان الذي يقع فيما زين له من الشهوات، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ}، فالقاعدة إذًا أن الفسق فسق وأنه لم يخل منه عصر".
وعن الإبداع قال جمعة: "ليس الإبداع في التفلت، ولكن الإبداع معاناة حقيقية من أجل الأدب والفن، والشرع يأمر أن نرجع إلى الحقائق لا إلى الأوهام، وإلى الواقع لا إلى الخيال المريض؛ قال تعالى وهو ينهانا عن الفتنة بكل أشكالها كلامًا وفعلا وسلوكًا: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوَهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}.
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} وقال: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ }، وسامدون: أي تغنون بالباطل من القول.
وقال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}.