ساعات حاسمة في الأزمة الأوكرانية
تسلمت روسيا أمس، من السفير الأمريكي رد واشنطن المكتوب، بشأن المخاوف الأمنية الروسية، كما تسلمت أيضا، وأمس، رد حلف الأطلسى، الناتو، بشأن المطالب الأمنية الروسية. حتى الآن احتفظت روسيا بالكتمان كما وعدت أمريكا بألا تفشى المحتوى، لكن وزير الخارجية انطونى بلينكن عرض خطوطا عريضة للرسالة المكتوبة وأبرزها أنه يؤمن مسارا جادا للدبلوماسية ويدعو روسيا للحد من التصعيد، وتدعيم الشفافية والثقة المتبادلة فيما يتعلق بالتحركات العسكرية علي الجانبين، وأن من حق كل دولة اختيار حلفائها..
أما الرد المسلم من الناتو فهو استفزازى لأنه قطع بأن من حق أوكرانيا وجورجيا وأى دولة تستوفى الشروط الانضمام إلى مظلة الدفاع المشترك بمقتضى معاهد حلف شمال الأطلسى. بهذه الردود تكون روسيا تلقت من الناتو رفضا لمخاوفها الأمنية. أنها ترفض انضمام أوكرانيا لحلف يضع صواريخه علي عتبات روسيا، وترفض الوضع ذاته لجورجيا، كما طلبت من الحلف إخراج قواته من بلغاريا ورومانيا.
إشتعال الأزمة الأوكرانية
وبينما قلل مسئول أوكراني من احتمال غزو روسيا لبلاده بحجة أن القوات والعتاد لا تكفى لإنجاح الغزو، فإن نائبة وزير الخارجية الأمريكي حددت موعدا للغزو بحلول منتصف فبراير المقبل. الاشتباك السياسي الجارى بلغ ذروته برفض روسيا أي دور للاتحاد الأوروبي في الحوار بشأن أوكرانيا، حتى اجتماع باريس أمس برعاية ماكرون، لم يحقق أى تقدم.
من ناحيتها أكدت أمريكا أنها لن ترسل قواتها إلى أوكرانيا، وأن ٨٥٠٠ جندي من مختلف الأسلحة هم في حالة تأهب داخل الأراضي الأمريكية، لإرسالهم إلى أوروبا عند الغزو. حالة التأهب اختصرت العشرة أيام اللازمة إلى خمسة فقط. أيا كان الوضع، فإن الرد الروسي على الرسالة الأمريكية المكتوبة سيكون تصعيدا إما فى المجال الدبلوماسي، أو حربا لابد منها !
بالفعل ستكون الحرب المحتملة في أوروبا حتمية، وهى ثاني أخطر حرب ستشهدها القارة الأوروبية بعد أزمة البوسنة والهرسك وتفكيك يوغوسلافيا، ونزعم إنها حتمية لأن بوتين مضى في الإجراءات العسكرية بعيدا، بحيث سوف يصعب عليه التراجع ما لم تقدم أمريكا تنازلا يحفظ ماء وجهه. والحق أن بوتين يحقق مكاسب عديدة من التصعيد الجارى، فإنه كشف عن جوانب ضخمة من القوة العسكرية بعد استثمارات هائلة فى تطويرها، طيلة العقد الماضي، كما كشف عن تناقضات بين باريس وبرلين فيما يتعلق بتسليح أوكرانيا، حيث ترتبط برلين بخط الغاز الروسي نورد ستريم ٢ ومن ثم تراجعت عن تقديم سلاح ل أوكرانيا وعملت على منع الآخرين بالاتحاد الأوروبي لكنها فشلت.
تحركات القوة الروسية ترسل إشارة توتر على جانبي الأطلنطى بوجود لاعب لا يمكن تجاهله. وكان مستشارو الرئيس الأمريكي بايدن نصحوه بأن يخفف وجوده فى الشرق الأوسط وأن يركز على ثلاث قضايا جوهرية خطيرة، جميعا تبدأ بحرف ال C وهى Covid-19 و China و Climate واعتبروها أجندة العمل الأمريكي، لكن بوتين نجح في جر الاهتمام الأمريكي نحو قضية الأمن المتبادل شرقي أوروبا.
لو تراجع بوتين دون تحقيق مكاسب سياسية ملموسة، فإنه سيخسر كثيرا، والمكسب الوحيد حصوله على وصف الرجل الذي يهدد ولا ينفذ.. بعبارة أخرى لن يأخذه الغرب على محمل الجد في أي شأن لاحق. الأزمة الأوكرانية تمثل تهديدا بالغا للأمن والسلم الدوليين، وفيما تبدو أمريكا مدعوة للتورط، فإن روسيا تبدو هى الأخرى مضطرة للتورط.. والمشهد مفتوح.