ماذا تريد واشنطن من موسكو في كييف؟!
انتهت في جنيف -أول أمس الجمعة- ودون تقدم مباحثات وزير الخارجية الروسي لافروف ونظيره الأمريكي بلينكن بشأن ضمانات أمنية متبادلة على خلفية الحشود الروس على حدود اوكرانيا. والاتفاق الوحيد الذى تم هو أن ترد امريكا خطيا على طلبات موسكو. من ناحيتها كانت موسكو طلبت قبل شهر الاجابة على مخاوف أمنية تمس سلامة أراضيها، وتماطل واشنطن فى الرد حتى جلسة الجمعة الماضى..
ومن بين هذه المطالب انسحاب حلف شمال الاطلسي -الناتو- من بلغاريا ورومانيا، كما أكدت رفضها لضم اوكرانيا إلى الحلف، لأن معنى ذلك بتعبير بوتين أن تنصب الصواريخ الامريكية على باب البيت الروسى. وبينما تتواصل التصريحات من تشكيك جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في قيام روسيا بغزو اوكرانيا، تتواصل في الوقت ذاته تحركات عسكرية لجميع الأطراف على خطوط الأزمة المتصاعدة.
فقبل آيام أجرت موسكو وطهران وبكين مناورات بحرية مشتركة. ويبحث البنتاجون عدة خيارات لتعزيز الوجود العسكرى الأمريكي في أوروبا الشرقية إذا ما غزت روسيا أوكرانيا وتعهد بلينكن برد حاسم إزاء أي تحرك روسي داخل الأراضي الأوكرانية وستعتبره واشنطن غزوا. وفى الوقت ذاته تجرى اوكرانيا خمسة مناورات وتدريبات لقوات الاحتياط، وتخشى اوكرانيا أن يتم الاجتياح الروسي من ثلاث مناطق أخطرها بيلاروسيا الحليف الصدوق ل موسكو، والجهتنان الأخريان من شبه جزيرة القرم، ومن دونباس شرقى أوكرانيا حيث الانفصاليون القوميون الروس في اوكرانيا.
طبول الحرب
وبسبب من ضعف سلاح الطيران الاوكرانى، يتوقع ان يكون الغزو الروسي جويا وبريا، حصلت كييف على الدفعة الأولى من المساعدات العسكرية الامريكية بقيمة 200 مليون دولار، تشمل معدات دفاعية وذخائر، كما حصلت على الدفعة الثانية من المساعدات العسكرية والفنية البريطانية وتشمل الآف الصواريخ المضادة للطائرات والخارقة للدروع، وأعطت واشنطن الضوء الاخضر لدول البلطيق الثلاث، استونيا ولاتفيا وليتوانيا، بتقديم مساعدات عسكرية أوربية وامريكية لديها إلى كييف. ودول البلطيق الثلاث كن أعضاء فى الاتحاد السوفيتي المفكك، وتم ضمهن إلى الناتو والاتحاد الاوربي.
مع مناورات الشرق والغرب هذه، تبرز أزمة الغاز على نحو مثير للقلق لكل من البائع الروسي والمشترى الأوربي. المعروف أن أوروبا وألمانيا بالذات تعتمد على خط الغاز الروسي عبر البلطيق، ومع إعلان اوروبا الوقوف بحزم وصرامة للدفاع عن اوكرانيا حال غزت روسيا هذا البلد، فإن واشنطن سارعت بالتحرك وهى تجرى مباحثات بالفعل مع قطرودول أخرى، لضمان امدادات الغاز القطرى بديلا عن الروسي، إلى أوروبا.
وينبغى ملاحظة إن هذا الإجراء كان واردا لدى موسكو التى تغاضت عن المنافس الايراني لها في سوق الغاز، وصارت طهران مشاركا في المناورات العسكرية مع بكين وموسكو شمالى المحيط الهندى تحت إسم "حزام الأمن البحرى 22". المصالح تتصالح. ويتزامن مع ذلك كله عزم الناتو إجراء تدريبات عسكرية غدا الاثنين لبحث جاهزية الردع فى اوربا.
هذا التسارع فى الاحداث لم يطمئن رئيس اوكرانيا الذي اعتبر بلاده فى مواجهة مع أحد اقوى جيوش العالم، وستكون الخسائر علي الجانبين مئات الألوف، ومن أجل هذا لا يرى العقوبات بعد الغزو ذات جدوى، لأن بلاده ستكون سقطت بالفعل، ومن ثم يدعو لتوقيع عقوبات تردع موسكو عن عملية الغزو المرتقبة. من ناحيتها اتهمت موسكو الغرب بالتضليل وبث الإدعاءات الكاذبة ونشر تقارير وهمية، فيما أكدت أنها لن تغزو اوكرانيا.
تقريبا وهذه كلها ملامح رئيسية فى المشهد السياسي العسكرى شرقى أوربا، والأبرز فيه هو ضلوع الغرب بشكل صارخ فى شن حملة اعلامية، تترنح فيها الحقائق جنبا إلى جنب مع الأكاذيب، وهو ما يجرى عادة في نوع الحروب الباردة بهدف كسر عزيمة الخصم. وروسيا التى عرفت هذا السلاح الذي فكك الاتحاد السوفيتى من قبل، وكانت هى النواة فيه، منتبهة تماما للهجوم الاعلامى الغربى، وتدحضه أولا بأول. تفكيك الاتحاد الروسي هو الهدف واوكرانيا هى حصان طروادة.. ونتابع دقات طبول الحرب.