الثقافة هى سلاح المواجهة والبناء! (2)
لا يوجد تنمية بدون وعي وثقافة حقيقية، وإلا سيكون الناتج والمحصلة صفر والثقافة والوعي ليست مبانى وجدران ومنشأت رغم أهميتها، لكن عقول وخيال وإرداة والسؤال ببساطة وصراحة هل يتولى دفة هذه السفن شخصيات قادرة وتملك الرؤية والإبداع، الإجابة موجعة وإلا سنكون ممن يمارسون الخداع.
ليس الأمر حفل هنا وحفل هناك لكن الأمر أخطر بكثير خاصة مع دولة مثل مصر لا أبالغ وأنا أقول منذ سنوات نحن أمة عظمى ثقافيا وحضاريا، لكن ما وصلنا له الآن وما نعانى من أثاره ليس في مصر فحسب ولكن في منطقتنا العربية منذ أخليت مصر عن مكانتها وقيادتها وبفعل فاعل يدعوا للأسف.. تحدثت في المقال السابق عن بداية تصورات أطرحها للنقاش وإستكملها اليوم في النقاط التالية:
أولا: لا يعقل أن تظل وزارة الثقافة والوزارت المعنية بعيدة عن لغة الفن التى تصل للجميع -أقصد السينما طبعا– وتاركة أمرها في يد تجار اللحم الرخيص وأصحاب الفكر العشوائي والقبح الأخلاقى.. ولمن نسى أقول إن الدولة المصرية في الستينات عندما كانت تنتج السينما الجادة كانت تحفز المنتجين على المنافسة وكان المشاهد المصرى بل والعربى هو الفائز..
نهضة ثقافية
ومن مجال الإنتاج إلى قاعات العرض استغرب ترك المواطن البسيط بجنيهاته القليلة نهبا للرأسمالين الجدد وكل ذلك والدولة تملك بلا حدود قاعات ومسارح بل وساحات فى أندية الشباب والجامعات وغيرها يمكن تحويلها إلى قاعات سينما بإمكانيات محدودة حتى ننشر الوعي فى كل مكان وباقل الإمكانيات.
ثانيا: لا يمكن أن تحدث نهضة ثقافية بدون مسرح وما يحدث في بلادنا طوال السنوات الماضية أمر يصل إلى حد الخيانة والتآمر.. لماذا؟ لدينا كتاب مسرح وتراث مسرحى عربى وعالمى ومخرجين وممثلين من مختلف الأجيال ومسارح وجمهور وإمكانيات مادية متنوعة تصلح للمسرح الفقير والمسرح الغنى ومع ذلك لا يوجد مسرح إلا نادرا.. فزورة كبيرة إجابتها الوحيدة أن هناك مؤامرة على مسرح أبو الفنون حتى لا نخلق أجيالا تفكر!
ثالثا: لا أتصور بلدا مثل مصر لا يوجد مثلها فى العالم في إمتلاك تراث من الفن التشكيلى.. من الفراعنة وحتى الآن مرورا بكل الحقب الحضارية المتوالية، ومع ذلك نجد جدران المبانى والكبارى والشوارع والميادين والحدائق والجامعات والمدارس بل والمصانع خالية من هذا التراث الذى يقضى على القبح الذى تخلل مسامنا فى السنوات الماضية حين أصبحت القذارة والعشوائيات فى السلوك واللغة والزى والمأكل وكل وسائل الحياة هى السائدة..
تعالوا نتخيل الشوارع والميادين وجدران المنشآت وكل شبر فى مصر وقد تركناها لخيال وألوان وتماثيل وأعمال عشرات الآلاف من طلاب الفنون الجميلة والفنانين وعشاق الجمال.. فلا يمكن لمن تصافح عيناه الجمال والفن فى كل مكان أن ينجرف إلى أعداء الحياة أو خفافيش القبح والظلام.. تعالوا نتخيل كل المبانى فى مصر وقد دهننت جدرانها ولا يمنح الترخيص المعمارى إلا مصحوبا بدرجة محددة للألوان بحيث يكون كل حى له لون أو ألوان محددة تحتمل البيئة من جهة وتنشر الجمال فى النفوس.. فلا يمكن لمن تصافح عيناه الجمال والفن فى كل مكان أن ينجرف أبدا إلى أعداء الحياة أو خفافيش القبح والظلام.
رابعا: تعالوا نتخيل وجدان تلاميذنا بعد سنوات وقد درسوا فى مناهجهم نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحى حقى إلى جانب شكسبيروالأبنودى وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل وصلاح جاهين إلى جانب بودلير وغيرهم ودرسوا تماثل مختار والسجينى ولوحات صلاح طاهر إلى جانب دافنشى وغيرهم واستمعوا لموسيقى عبد الوهاب والسنباطى وبليغ حمدى إلى جانب بيتهوفن وغيرهم.. فهل من درس كل ذلك وتذوقه يكون يوما ما متطرفا أو متخلفا أو ظلاميا أو كارها للحياة.
خامسا: منذ سنوات كان هناك فى الحدائق العامة وبعض الميادين اكشاكا للموسيقى تقدم الموسيقى.. فماذا يحدث لو أعددنا مكانا فى كل ميدان أو حديقة يكون ساحة للفرق الموسيقية تعزف فيها وتغنى للمارة.. فهل من يستمع للموسيقى والفن الشعبى والإنشاد الدينى يمكن أن يكون يوما ما متطرفا أو متخلفا أو ظلاميا أو كارها للحياة.
سادسا: ماذا يحدث لو نقلت القنوات التليفزيونية هذه الأنشطة الثقافية ليعم تأثيرها من المئات إلى الملايين، ألا يكون هذا أجدى من برامج السحر والشعوذة أو الرغى والمعارك الهشة.. باختصار إذا نجحنا فى رفع الوعي العام وحولنا القاعدة الشعبيىة إلى دفة الثقافة سيكون الوطن فى أحسن حالاته لإننى أعتقد أن المثقف الحقيقى لا يخون ولا يبيع ولا يدمر ولا يقتل لأنه يعرف ببساطة معنى الوطن وقيمة الإنسان ومعنى الحياة.. نقول كمان ولا كفاية !!
وللحديث بقية
yousrielsaid@yaoo.com