علي جمعة: ابن تيمية أنكر المجاز في تفسير القرآن وخالفه جمهور العلماء
قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إن الشيخ ابن تيمية أنكر المجاز في تفسير القرآن، لتوجهات عقدية رآها، ولم يوافقه عليها جمهور العلماء وكل المفسرين، وأطلق العلماء قاعدة مهمة هي (المجاز خلاف الأصل)، ووضع علماء الأصول في هذا المقام، قاعدة جليلة تشتمل على وظيفة اللغة من ناحية، وعلى ما من الله علينا به من فائدة الكلام.
إنكار المجاز وتفسير القرآن
وأضاف جمعة أن علماء الأصول أقروا صلاح القرآن لكل زمان ومكان، وباحتياج احتياجا قويا لأدوات منهجية لتفسير القرآن لا تؤدي إلى إنكار نسبية الواقع، والإغراق في الإطلاق، ولا تؤدي كذلك إلى انفراط التفسير بحيث لا يبقى للدين هوية.
وقال جمعة إن هناك معنى صالح في إطلاقهم كتاب الله المسطور على القرآن، وكتاب الله المنظور على الكون، وأشرنا إلى التطابق بينهما، وهو يعني أنهما قد صدرا من الله، القرآن صدر من علم الأمر، والكون صدق من عالم الخلق.
وكتب الدكتور علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "لم يقع مفسرو القرآن في عمومهم في إنكار المجاز، فلم ينكر المجاز إلا الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، ثم تبعه بعد ذلك الشيخ ابن تيمية لتوجهات عقدية رآها، ولم يوافقه عليها جماهير العلماء وجُل المفسرين، وبالرغم من ذلك أطلق العلماء قاعدة مهمة وهي (أن المجاز خلاف الأصل)، فالأصل في الكلام هو الحقيقة، ومعنى هذا أن أغلب الكلام إنما يكون على الحقيقة، وأن السامع يحمل الكلام المسموع ابتداء على الحقيقة، فالحقيقة هي التي تتبادر بالذهن أولا"
اللغة ونصوص القرآن
وقال: "ووضع علماء الأصول في هذا المقام، قاعدة جليلة تشتمل على وظيفة اللغة من ناحية، وعلى ما من الله علينا به من فائدة الكلام، وقالوا: الاستعمال من صفة المتكلم، والحمل من صفة السمع، والوضع قبلهما"
وأضاف "ففي هذه العبارة المختصرة قرار بثبات اللغة، التي كتبت بها النصوص، وفيها أيضا إقرار الحرية للمتكلم في استعمال كلامه؛ لما يريد أن يعبر عنه، وأن ينقله للآخرين، وفيها أيضا إشارة إلى الوظيفة التلقي التي يقوم بها السامع، والتي يتاح لها فيها أن يحمل الكلام على ما يمكن أن يحتمله"
وتابع قائلًا: "وشرح هذه العبارة له تعلق قوي بقضية النسبي والمطلق، وله تعلق كذلك بصلاح القرآن لكل زمان ومكان، وباحتياج احتياجا قويا لأدوات منهجية لتفسير القرآن لا تؤدي إلى إنكار نسبية الواقع، والإغراق في الإطلاق، ولا تؤدي كذلك إلى انفراط التفسير بحيث لا يبقى للدين هوية، ويقول فيه كل من شاء ما شاء؛ لأن هذا ضد أصل المعتقد، وأصل الواقع من لزوم بقاء المطلق والنسبي أثناء إدراكنا للنص وإدراكنا للواقع، والوصل بينهما"
كتاب الله المسطور
واستطرد علي جمعة في حديثه فقال: "ولقد قررنا في مرات كثيرة أن هناك معنى صالح في إطلاقهم كتاب الله المسطور على القرآن، وكتاب الله المنظور على الكون، وأشرنا إلى التطابق بينهما، وهو يعني أنهما قد صدرا من الله، القرآن صدر من علم الأمر، والكون صدق من عالم الخلق، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: (أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ) [الأعراف:54]
وأضاف "وفي نفس السياق تأتي قضية القراءتان، وهو أن هناك قراءة للقراءة، وقراءة للأكوان، تشير إليها آيات صورة العلق، وهي أول ما نزل، حيث كرر الله فيها الأمر بالقراءة، وعلق الأولى على الخلق والثانية على الوحي، فقال: (اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) [ العلق: 1: 4]، والقلم إشارة إلى الوحي، كقوله تعالى (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [ القلم:1] نرى هنا أنه بدأ بالخلق وثنى بالوحي، وكأن الإنسان لابد عليه أن يطلع العالم وما حوله ليكون قادرًا على فهم الوحي، وكذلك لابد عليه من إدراك الوحي إدراكًا صحيحًا من أجل أن يغير واقعه نحو التغيير الصحيح، ولذلك نرى أن الخلق والأمر يتكاملان في دائرة واحدة يصح أن نبدأ من أي نقطة منها فنصل إلى تمامها، ونرى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ) [ الرحمن: 1: 3] فيه إشارة إلى تلك الدائرية"
واختتم جمعة حديثه قائلًا: "ولذلك نرى أن النعي على مطابقة النص القرآني للواقع، وإنكار ذلك بصورة مطلقة ليس بسديد؛ لأن فيه سد باب القراءتين من ناحية، وفيه إنكار للواقع من ناحية أخرى، إن القرآن الكريم نزل مركبًا يرسم شبكة علاقات يستطيع المتدبر فيه استنباط مبادئ ومقررات كثيرة من تقاطعات هذه الشبكة، وكذلك الواقع في تطوره وتدهوره يكون شبكة، وليس دالة خطية كما يعبر علماء الرياضيات"