رئيس التحرير
عصام كامل

لا سماح ولا مغفرة !

بعض الجرائم التى يشهدها المجتمع المصرى في السنوات الأخيرة، لم يعد بحاجة للإعراب عن الدهشة أو إبداء الذهول، لأن التكرار جعل الأمور في نطاق العادى والمعروف، إلى أن يقع حادث خارق للعادى والمألوف فيفزع الناس من جديد، ثم يتآلفون مع القبح والفساد الأخلاقى. لا يحتاج المجتمع إذن إلى عينين مشدوهتين الآن. فماذا يحتاج إذن؟


نحتاج إلى معرفة العوامل الكامنة وراء وقوع هذه الكوارث الجنائية. تحديد أكثر، نحتاج أن نعرف لماذا تطلب أم من هيئة محكمة الجنايات التنازل عن الدعوى المدنية، في قضية قتل عمد، إذ أحرق الأخ أخته حرقا، وأحرق شقة عرسها المجهزة، بسبب أن الأب كتب لأخته الشقة دون علم المتهم مما أوغر صدره وبتحريض مستمر من زوجته. 

 

مشهد يهز الوجدان

 

بغض النظر عن ملابسات القضية المنظورة أمام جنايات المنصورة، فإن ما يلفت النظر ما ذكرته الأم وهى ست بسيطة. قالت للقاضي: بنتى راحت وليس لى الإ هو وطلبت منه أن يتركه لها.. وستدعى له فى صلواتها إن أبقى لها ابنها قاتل ابنتها!

طلب القاضي خروج المتهم من القفص وطلب منه تقبيل رأس الأم وقدميها ويديها، فخرج وقبل رأسها ويديها وانحنى قبل قدميها فرفعت رأسه عن قدميها.كان الحوار ودودا مستكشفا بين القاضى المستشار مجدي قاسم والسيدة، واعتبر القاضى حضورها مهما.. جدا.


هى لحظة ميلودرامية فعلا. ولابد أن المشهد يهز الوجدان، ولابد أن دموع الحاضرين بالجلسة طفرت.. لكن هناك جانبا آخر من المشهد، هو الرفض لحد صب اللعنات على هذا الأحمق المتهم بالحرق والقتل لأعز الناس أخته بتحريض من زوجته.


حسب وصف الأم فهو تربص لأخته وهى نازلة لعملها عند باب البيت وأغلقه من الداخل وسكب عليها البنزين وألقى عليها عود كبريت، وتركها للنار تأكلها وصعد لأمه فأزاحها ومعه جركن البنزين وومضي يرش البنزين علي شقة العروسة أخته، كانت ستزف خلال شهرين، وهو دائم الإعتداء على أخته، وما أكثر المرات التى تنمر فيها على خطيب أخته.


العروس أحرقها أخوها لإرضاء الزوجة، والأم تطلب من القضاء التنازل عن الحق المدنى، ترى.. ما حال الميتة؟ أهى ميتة؟ ولى الدم هنا القانون. الشق الجنائي سيأخذ مجراه. لكن أن تفرط أم فى حق إبنتها التى قتلها اخوها باشعال النار فيها، ظنا منها أنه سيفلت من العقاب.. تلك هى المسألة. سيقولون قلب الأم. 

 

 

نعم للأم قلب ينفطر وهى قالت للقاضي قلبي مقسوم، وأن تخسر واحدا خير من خسارة الإثنين. ونحسب أن هذه الحسبة يمكن الإعتداد بها في ظروف جنائية مغايرة تلتبس فيها الوقائع.. أما أن تستبقى شخصا ذا تاريخ في الإعتداء على أمه والشروع في إحراق البيت من قبل، بل أحرق فعلا فهو لن يكون سندا، ولن يكون حنونا، ولن ينكسر كما تظن أمه. تراهن الأم على أنه سيخرج محطما كسيرا، مخزيا وسط الناس لأنه سيعاير بقتل شقيقته.. لكن هذا تبرير للغفلة ولتمرير الألم وإستبقاء الإبن.
قلب الأم نعم.. لمخطئ.. وليس لمجرم !

الجريدة الرسمية