البقاء لله نعم.. لكن
لا أظن جيلا تعرض لمثل ما يتعرض له جيلنا الغارب الحالى. كانت معاركنا وطنية من الطراز الأول، ثورة. تحول اشتراكي هزيمة.احتلال. حرب تحرير. تحول انفتاحى. تحول ليبرالي. انقلاب إخواني. سرقة الهوية الوطنية. ثورة شعبية مليونية يدعمها الجيش الوطنى، وكان الشعب دعم جيشه فى حركة الضباط الأحرار ٢٣يوليو ١٩٥٢، وصارت ثورة. كل هذه المراحل كانت تجرى على خلفيات اقتصادية بائسة، رغم أن كل التحولات، مع كل رئيس، استهدفت في المقام الأول، بل فى البيان الأول، تحسين مستوى المعيشة وزيادة معدلات الإنتاج.
حسنا؛ فإن المعارك من أجل الوطن وتحريره، ثم المعارك من أجل لقمة عيش أفضل، لم تكن تقتضى طوابير صباحية ومسائية من الوفيات، كما هو الحال حاليا. هذا الجيل الغارب يشهد، مع أبنائه وأحفاده، حربا كونية، البشر كلهم فى مواجهة فيروس، يتبدل، ويتجدد، ويتحور. أمهر لاعب بيولوجى على الإطلاق. هذا الجيل شهد، حتى الأسبوع الماضى، رحيل أكثر من خمسة ملايين آدمى فى أربع وعشرين شهرا. صرعهم الفيروس. هذا الجيل يفتح عينيه في الصباح على البقاء لله!
الفيروس وتحوراته
بالطبع الدوام والبقاء لله أبد الآبدين، لكنها صارت شاهد الحزن اليومى يصافحنا بمجرد فتح الفيسبوك. بصراحة صار فيس قرافة! فقدنا منذ مطلع العام رموزا طيبة انسانية، حزن الناس من أجلها حزنا عظيما، فقدنا إبراهيم حجازى وقبل ساعات فقدنا الزميل إبن روزاليوسف، الذي شهدت بداياته معى، وائل الإبراشى، وفقدنا المستشارة المقاتلة تهانى الجبالى. وكانت جبلا لم ينل منه تآمر الإخوان وإرهابهم وتهديداتهم.
أن تحارب عدوا تعرفه، مهما كانت الخسائر، خير من أن تفقد أعزاء فى حرب مع عدو جبان خفى متحول متحور. والحقيقة أن من كثرة الموت إعتاد الناس الموت. كل واحد منا حاسس أن ملك الموت يحوم ويحلق وينتقى.. وكل واحد منا يسأل يا ترى الدور على من..
وقت المحن الوبائية، تعرف إنك وجها لوجه مع أحد أسلحة الله التى لا قبل لك بها. وقت المحن الحربية، تعرف أنك فى مواجهة مع لص يريد الاستيلاء على أرضك. الفارق كبير، والناس يفهمون هذا الفارق، ولعل هذا يفسر حالة الإستسلام والتقبل، وإنحسار الجزع والفزع، بل لعله يفسر إزدياد الرفض العالمى للتلقيح، والتظاهر ضده، رغم جهود الحكومات لحماية الشعوب، بتوفير اللقاحات والأدوية. شعوب ترفض اللقاح. وشعوب تسقط الكمامة. وشعوب تعيش حياتها على أساس: العمر محدد الميعاد. ب كورونا ومن غير كورونا.. ولوعشت صحيحا طيلة حياتك.. فستموت أيضا صحيح البدن!
نشعر بالتعاسة؟ نعم نشعر بالتعاسة، بل والحزن، بل والترقب، بل والخوف. هل قل إيماننا؟ مقتضى الحال، إنك ترى قدر الله وقضاءه وكلمته الفاصلة وأنت على رأس ميت. يترتب على ذلك أن تزداد رهبة وخشية. العكس يقع. توجد حالة توحش سلوكى، كأنما يصفى كل واحد حسابه مع الدنيا قبل أن يغادرها محمولا على جناح فيروس.
البقاء لله طبعا، لكن لا تجعلوا صفحات الفيس.. مقابر الإمام.. كثرة عويل جعلته آليا.