كومبو الفساد بين الأحلام والإعدام
ما زلت أتابع معكم نبذة مما أَلَمَّ بي من ألم، وما رأيته من أحلام ضربت في جذور التاريخ، وأرتدت إلى حياتنا المعاصرة، لتمزج بين الواقع والخيال، وتقدم للقارئ وجبة دسمة يسمونها في التراث الشعبي وليمة، ويسميها المحدثون "كومبو"، ولكنه "كومبو" متخصص ضد الفساد، فساد مالي وإداري وأجتماعي وأخلاقي استشرى في المجتمعات والأمم عبر العصور، نطرح شواهده ونعالج أسبابه، واليوم أخبركم بالجديد في هذا الشأن.
تيبست يدي على ريموت التلفزيون، وأنا أتابع برنامج لقاء مع قصواء، التي استضافت الدكتور أحمد المرسي، رائد الأدب الشعبي، وهو يقول: إن الأمم من حولنا صانت تراثها واستثمرته، وحار عقلي فيما يقول الرجل للتفرقة بين الأدب الشعبي والتراث الشعبي، وتحدث مع المحاورة عن مفهوم ثبات التراث مع معاصرة اللفظ، وما أن انتهى البرنامج حتى استدعيت فريق الأصدقاء بالهاتف لنتباحث في أمرين: أولهما هو حالتي المرضية، وثانيهما هو علاقة التراث الشعبي بالأحلام.
وحضر الجميع، وأحدثوا ضجيجًا مرحًا في محاولة لإبداء شعورهم بالتفاؤل تجاه حالتي الصحية، وشرعت أن أقص عليهم ما جد من أعراض، والتحاليل المطلوبة وأسعار الدواء، ولكن صديقنا المرح ابتدرني بسؤال خبيث، وقال: أخبار أحلامك إيه؟ وهممت أن أحكي آخر أحلامي، ولكني ترددت خوفًا من سخريته اللاذعة، فتدخل الأستاذ الجامعي المتخصص في التاريخ ليؤكد أنه أجرى دراسة بحثية صغيرة وأنه خلص منها إلى نتائج هامة، فأسند صديقنا المرح ظهره للمقعد، وكأنه ينتظر هدفًا يحرزه فريقه القومي.
أستاذ التاريخ
بدأ أستاذ التاريخ بمقدمة أكاديمية حول مشكلة البحث وأهدافه ثم وضع فرضية البحث المتمثلة في أنه لابد لكل حاكم أو ملك أو رئيس هيئة أو أو شركة أو مؤسسة وصولًا إلى أصغر الوحدات الحكومية، أن يظهر له نموذج "أبو الشرف"، وأن يقرر هذا القائد إن كان سيبقى على هذا الفاسد لأسباب متعددة، أم أنه سيصون الأمانة ويكبح جماح هذا الفاسد، وتحدثت كتب التاريخ عن حالات متعددة لممالك وإمبراطوريات سقطت بسبب وجود نموذج "أبو الشرف".
وقبل أن أعترض على هذه الفرضية، أكمل الأستاذ حديثه قائلًا: إن الملك تشارلز الأول ملك إنجلترا وأسكتلندا وآيرلندا أُعدم من رعيته بسبب فساد في الحكم دفعه إليه وزيره "سترافورد" الذي نلقبه في مجلسنا بـ"أبو الشرف"، وكان سبب المأساة عجز شديد في الموازنة أدى الى فقر شديد، والحقيقة التي لا مراء فيها هي تلك المكاسب التي إحتفظ بها "ستيوارت" لنفسه وتأهب للفرار عند القبض على الملك عام 1649.
وهنا قال صديقنا المرح، بنبرة الحزين على خسارة الفريق القومي: وماذا أضفت يا دكتور؟ إن ما تقوله معلوم للجميع، ورد الأستاذ الجامعي بأن تعدد حالات زوال بعض الممالك والملوك بسبب نموذج "أبو الشرف" هو ظاهرة تستدعي دراسة مستفيضة لتحديد كيفية ظهوره في حياة كل قائد، وهنا تدخل صديقي المعني بالعلوم الشرعية وتفسير الرؤى والاحلام ليقول، ما علاقة ذلك بـ"المهدي الذي سيفضحهم وسيسحقهم"؟
375 مليون درهم
وكان لا بد من الهدوء فقد حضر واجب الضيافة، واختلست الفرصة لأقص لهم آخر أحلامي، فقلت: رأيت رجلًا بثياب عربية قديمة يُدعى "عُجيف بن عنبسة" قائد أحد الخلفاء، وقد أهدر 375 مليون درهم من أموال الخلافة تحت البند الإستثماري، وتعاقد مع جهات معروف عنها الفساد المالي والاداري، ورفض التعاقد مع المؤسسة الوطنية المحترمة، لتضيع الأموال بين عمولات وأعمال ترفيهية، في غفلة من الخليفة.
وهنا اندفع صديقنا المرِح مخاطبًا الحضور بقوله: أقسم لكم أن كاتب هذه السطور يتحدث عن واقع لا خيال، ورفضت أن أعلق على هذا الاتهام الضمني بالكذب، مراعاة لسنوات الصداقة التي تجمعنا، وتدخل الأصدقاء للدفاع عني، وقلت لهم: في آخر الزمان ظهر لنا من يُقيد الأحلام، فماذا بقي لنا؟ وتعالت الأصوات والضحكات، وبلغت الساعة الثانية عشر صباحًا، وقرر الحضور الانصراف، فقلت لعل أن يكون.. للحديث بقية.