صراع مصالح ومناكفات محسوبة.. إخراج روسيا من الناتو حلم غير قابل للتحقيق
بعد أزمة التوتر بين موسكو والناتو سادت حالة من عدم اليقين العالم وسط تراشقات روسيا والحلف، ما بين تهديدات بالتصعيد ومحاولات تهدئة، مما أفرز سيناريوهات متضاربة حول مصير العلاقات أو طرد روسيا من الناتو.
وبين آمال الحل وصعوبة التطبيق على أرض الواقع يقع العالم فريسة للانخراط في مخاوف حرب عالمية نووية من الممكن أن تمحو الجنس البشري إلى الأبد.
بداية المواجهة
لم تكن التوترات الأخيرة بين موسكو والناتو مفاجئة، فقد دقت طبول المواجهة خلال الفترة الماضية عبر خطاب حاد من موسكو يعززه الإحساس بالتهديد الغربي ضد روسيا، بحسبما يشير باحثون غربيون، ومن بين أصعب فصول المواجهة ذلك الاجتماع الساخن بين الأمين العام لحلف الناتو ينس شتولتنبرج ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
حيث قاطع لافروف شتولتنبرج، متهمًا الناتو بدعم النازيين الجدد في أوكرانيا والتخلي عن أفغانستان، ووصف مجلس الناتو وروسيا وهو منتدى أنشئ عام 2002 لتعزيز التعاون بين الجانبين بأنه لا طائل منه، وشكا من أن أعضاء الناتو غالبًا ما يتحدون ضد روسيا، ليرد شتولتنبرج بانتقاد الإجراءات الروسية في أوكرانيا، ودعمها لبيلاروس، وتدخلها في الانتخابات في دول الناتو، بحسب ما وصف مسؤولون أوروبيون المناخ المتوتر في الاجتماع لصحيفة "واشنطن بوست".
ولمعرفة طبيعة إنشاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) علينا أن نعود إلى بداية إنشاء الحلف وألذ أنشأ في الأساس لمجابهة حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي والتي أصبحت روسيا وريثته الشرعية عضو فيه.
وتأسس الناتو استنادًا إلى معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في 4 أبريل عام 1949، وكان يضم حينها 12 دولة: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وبلجيكا وأيسلندا ولوكسمبورج وهولندا والدنمارك والنرويج والبرتغال.
ثم انضمت بعد ذلك اليونان وتركيا عام 1952، وألمانيا عام 1955، وإسبانيا عام 1982.
مجلس الأمن
وتجلس ثلاث دول من حلف "الناتو" أعضاءً دائمين في مجلس الأمن الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة وهي: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا.
ويشكل "الناتو" نظامًا للدفاع الجماعي تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل ردًا على أي هجوم من قبل أطراف خارجية، وظل الحلف يضم 16 عضوًا حتى تفكك الاتحاد السوفيتي، لينشئ الحلف، عام 1994، ما سمي بمنظمة "الشراكة من أجل السلام" وهي منظمة تابعة له، تهدف إلى خلق الثقة بين الناتو ودول أخرى في أوروبا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا، وضمت حينها 22 دولة (من بينها روسيا وأوكرانيا وبيلاروس!).
حتى حصلت بعض تلك الدول(14 دولة على وجه التحديد) على العضوية الكاملة في "الناتو" على خمس دفعات، أولها في 12 مارس 1999، وضمت: التشيك والمجر وبولندا، ثم في 29 مارس 2004، وضمت: بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، ثم في 1 أبريل 2009، وضمت: ألبانيا وكرواتيا، ثم في 5 يونيو 2017 وضمت جمهورية الجبل الأسود، ثم في 27 مارس 2020 وضمت مقدونيا الشمالية.
كذلك يتبنى "الناتو" برنامج "الحوار المتوسطي"، وهو منتدى للتعاون بين "الناتو" وسبع دول في البحر الأبيض المتوسط، ويهدف البرنامج المعلن إلى "إقامة علاقات جيدة وتفاهم وثقة متبادلين أفضل في جميع أنحاء المنطقة، وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، وشرح سياسات وأهداف الحلف". يضم البرنامج دول: مصر وإسرائيل وموريتانيا والمغرب وتونس والأردن والجزائر.
أما "حلف وارسو"، الذي كان يعدّ العدو الأساسي لـ "الناتو"، فقد تأسس عام 1955، وعرف رسميًا بـ "معاهدة الصداقة والتعاون والدعم المتبادل"، وكان يضم 8 أعضاء هم: الاتحاد السوفيتي وجمهورية ألمانيا الديمقراطية "الشرقية"، تشيكوسلوفاكيا، بلغاريا، المجر، بولندا، رومانيا، ألبانيا. وتفكك الحلف عام 1991، وأصبحت جميع دوله، باستثناء الاتحاد السوفيتي، أعضاءً دائمين في "الناتو" حتى اليوم.
ومع استمرار تضارب المصالح توقع الخبراء ان تستمر حالات المناكفات السياسية داخل الناتو مع محاولات موسكو لهدم الناتو من الداخل عن طريق إقامة أحلاف خارج نطاق الناتو
ويظهر هذا السيناريو واضحًا بعد تصريحات الأمريكيين عن دفع الأوربيين ثمن لحمايتهم حيث إن بايدن بات يكرر ما قاله سلفه دونالد ترامب من أن على الأوروبيين أن يدفعوا ثمن الدفاع عنهم".
ونوه إلى أن الحلف عبء على السياسة الأميركية وروسيا تريد أن تصدر أزمة مستمرة داخله ويأتي ذلك بالتوازي مع التركيز الأمريكي على الملف الأفغاني وآسيا والصين ما يعطي مساحة كبيرة للأطراف الأخرى المناورة".
السيناريو الصفري
ويعاني الناتو خللا بنيويا وفي بنيته الرئيسية ومهامه وفق الإدارة الأميركية وفي كثير من الملفات المعقدة وجزء آخر أن روسيا تناور في محاولة ضرب الحلف من الداخل عن طريق التصعيد كرسالة قوية تستهدف الضغط على أوروبا وأمريكا.
وكثيرًا ما يتم تصوير روسيا حاليًّا على أنها قوة توسعية ذات طموحات عالمية عازمة بالشراكة مع الصين، لاجتياح الديمقراطيات في العالم وتهديد النظام الدولي الليبرالي وإنشاء نظام عالمي جديد قائم على مبادئ وقواعد جديدة غير القواعد الليبرالية التي وضعتها الولايات المتحدة.
وبهذا يظل وضع المناكفات السياسية بين الدول قائما مع عمليات تصعيدية مدروسة هدفها خلق مناخ مناسب لفرض السيطرة على الآخر مع استبعاد احتمالية المواجهات العسكرية المباشرة.
فهم روسيا
وفي حين أن روسيا تسعى لإيصال صورة محددة للولايات المتحدة والغرب عمومًا بأنها تحاول الحفاظ على مكانتها كقوة عسكرية عظمى بينما تعاني من نظام سياسي متصلب وتدهور ديموغرافي لا يمكن عكسه في المستقبل المنظور، واقتصاد غير قادر على التحديث ويعتمد بشكل مفرط على استخراج الموارد، إلا أن هناك حاجة إلى فهم أكثر دقة لنوايا روسيا وقدراتها الجيوسياسية، لأن المبالغة في قوتها العسكرية وإرادة الكرملين في استخدام هذه الأدوات لأغراض محددة، يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح خطير.
غير أنه لن يكون هناك "السيناريو الصفري" والذي يشمل صدام مباشر كون موسكو لديها حساباتها الكبرى مع الأمن الأوروبي ولن يتخلوا عنه كما أن دول الحلف لن تستطيع أن تستمر في ضرب السياسات والمصالح الروسية في القوقاز والمنطقة الآسيوية.