محاكمة برلمانية للكاتب إحسان عبد القدوس.. وعبد الناصر ينصره
في شهر يناير 1964 تقدم النائب البرلماني عبدالصمد محمد عبدالصمد إلى الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإرشاد القومى وقتئذ، بلاغا حول رواية "أنف وثلاث عيون" للكاتب إحسان عبدالقدوس، التي كان ينشرها مسلسلة في مجلة روزاليوسف خلال عام 1963 وأوائل 1964، والتي اعتبرها النائب مخلة بالآداب ومطالبا بوقف النشر وعدم نشرها في كتاب أو تمثيلها للسينما أو للإذاعة.
كما تقدم النائب بطلب إلى رئيس مجلس الأمة محمد أنور السادات يطالب فيه أيضا بوقف نشر القصة التي وصفها بالجنسية الهدامة، واتهام مؤلفها الكاتب احسان عبد القدوس بنشر الفساد والرذيلة فى المجتمع وتحويله إلى نيابة الآداب للتحقيق معه وإدانته، وتحدث أنور السادات إلى إحسان وأخبره أن هناك اتهاما موجها إليه بسبب روايته وأنه سينظر الطلب.
الأعمال الأدبية
والأديب إحسان عبد القدوس ـ ولد عام 1919 ورحل في مثل هذا اليوم عام 1990ـ هو أحد أشهر الكتاب والروائيين في مصر والعالم العربي، قدم كثيرا من الأعمال الأدبية كالقصص والمسرحيات التي اشتهرت بشكل كبير وكذلك عدد كبير من الروايات التي أثارت جدلا عند نشرها منها: الخيط الرفيع، لا تطفئ الشمس، العذراء والشعر الأبيض، أنا حرة، اين عمرى، الطريق المسدود، النظارة السوداء، شيء في صدرى وأنف وثلاث عيون، هذه الرواية التي ثارت حولها زوبعة كبيرة وطالب البعض بمصادرتها ومنعها من النشر.
إحسان عبد القدوس يستجير
لجأ إحسان عبد القدوس إلى لجنة القصة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب ليستجير بها مطالبا بإنصافه أمام البرلمان، وكان يرأس اللجنة صديق عمره الأديب توفيق الحكيم وتضم عضويتها د. طه حسين ونجيب محفوظ، وأرسل إليه خطابا يقول فيه: إن القضية قضية أدبية وإن لجنة القصة هي صاحبة هي صاحبة الحق في أن تبدى رأيها في هذا الاتجاه الأدبي فإذا وجدت أنه اتجاه ليس من الأدب في شيء أو أن نشره يعارض المصلحة العامة توقفت عن السير فيه رغم إيمانى به لأن الرأي هنا سيكون رأى لجنة من المتخصصين..أما إن كان هذا الاتجاه صالحا للنشر فمن حقى ان اسير فيه.
تخاذل توفيق الحكيم
تحمست اللجنة لموقفى وأبدت تأييدا، وعندما طلبت من الأستاذ توفيق الحكيم تسجيل رأى اللجنة كتابة في محضر الجلسة لأستعين به لو قدمت للمحاكمة لا للنشر في الصحف.. وهنا تراجع توفيق الحكيم وطلب أن يستشير في الأمر الأديب يوسف السباعى.. وكان يقصد استشارة الحكومة.
وأضاف إحسان عبد القدوس في مقاله: خرجت من اللجنة يائسا، وقلت للحكيم: إنه إذا حققت النيابة معه فستكون البداية لكل الأدباء.
وفي جلسة مناقشة الطلب رد الوزير عبد القادر حاتم على سؤال النائب في حضور أنور السادات رئيس المجلس، بالقول: إن الصحافة حرة ولا تتبع الحكومة ولها نظام خاص.
تعليق عبد القدوس
علق إحسان عبدالقدوس مؤلف الرواية كما نشرت روز اليوسف عام 1964 على هذه الجلسة البرلمانية بقوله "إنها كارثة على الأدب العربي على وشك أن تهب عندما تمتد يد غير المتخصصين لتحاول خنق إنتاجا أدبيا.. فهي كارثة بكل المقاييس، ووسط هذه الأزمة أعفيت من منصبى كرئيس لمجلس إدارة مؤسسة روز اليوسف، ولم يكن الإعفاء في حد ذاته يهمنى فقد كنت أسعى إليه منذ وقت طويل لإعفاء نفسى من كل المسئوليات الإدارية لكن كان كل همى الا يكون لإنتاجى الأدبى دخل في هذا الاعفاء.
ثارت الصحف كلها تنال من مؤلف الرواية وتشوه صورته ووصل الأمر إلى الرئيس جمال عبد الناصر.. وحتى لا يتهم بخنق وحبس الحريات انحاز إلى الرواية وإلى الكاتب، وأمر باستمرار نشر الرواية التي تنتقد الأوضاع فى مصر بالرمز.
تحكى الرواية قصة طبيب وثلاث فتيات الأولى أمنية متزوجة ورغم ذلك تنشأ بينها وبين الطبيب علاقة، والثانية نجوى التى تعيش مع رجل ثرى ينفق عليها هروبا من تعنت أسرتها وزوج أمها، والثالثة رحاب رمز الفتاة المتحررة التى تعيش حياتها بلا ضابط ولا رابط.
عالج المؤلف من خلال القصة موضوعات اجتماعية واقتصادية يعانى منها المجتمع بعد الثورة وبعد تطبيق النظام الاشتراكي وأصبح الفلاحين ملاكا فى الأراضى مركزا على التغيرات السلبية التى طرأت على المجتمع الجديد من انحلال أخلاقي وقيمى.
تم تحويل الرواية (أنف وثلاث عيون) إلى فيلم سينمائي من إخراج حسين كمال عام 1972، سيناريو وحوار مصطفى كامل وبطولة ماجدة، نجلاء فتحى، ميرفت أمين، محمود ياسين، صلاح منصور، حمدى أحمد، جلال عيسى، إحسان شريف، فتحية شاهين، اعتدال شاهين، كوثر العسال، نعيمة الصغير.