الفدية الدوارة.. قانون جديد للميليشيات الليبية لإنقاذ الأسرى
تبتكر الجماعات الإجرامية والميلشيات الإرهابية حول العالم أساليب جديدة لممارسة نشاطها الإجرامي بحق المدنيين العزل خاصة داخل الدولة الليبية، ومن بين ضحايا هذه الميليشيات الباحثين عن الهجرة خارج أوطانهم وكانت ليبيا محطة مرورهم خاصة إلى أوروبا.
الفدية الدوارة
قصص كثيرة يرويها ضحايا هذه الميليشيات وأخرى نسمع قد تصل لمراحل القتل والتمثيل بالجثث.. وسط كل هذه الأفعال الإجرامية يظهر أسلوب جديد فى تعامل الميليشيات مع فريستهم عند اصطيادها للحصول على أكثر نسبة استفادة مالية منهم.
وتعد الفدية أو ما يطلق عليها «الفدية الدوارة، مبلغا ماليا تطلبه العصابات أو الميليشيات من أهل الضحية نظير الإفراج عنه، ولا توجد قيمة موحدة لهذه المبالغ، حيث يخضع الأمر لتقييم أفراد العصابات أو الجماعات المسلحة، وعادة ما تقدر بناء على علمهم بالحالة المادية للمختطف أو لأهله.
وبعد نجاح العصابات والجماعات الإرهابية فى تنفذ أغراضها فى الحصول على الفدية تم ابتكار أسلوب جديد فيما يسمى بـ «الفدية الدوارة» حيث تتبادل هذه العصابات ضحايا مع ضحايا أخرين من عصابات أخرى بعد الحصول على المبلغ المتفق عليه لتزداد نسبة الاستفادة المالية منه.
رحلة الوصول إلى أوروبا
حكايات كثيرة تم تناولها عن الوضع الليبى والمدنيين الذى يقعون فريسة فى طريق هذه الميليشيات والعصابات الإجرامية هناك.. وكانت سارت أماني أحمد الجزائرية الأربعينية رفقة 5 آخرين من بين ضحايا هذه الجماعات الإجرامية.
وتوضح إنها سارت على أقدامها داخل صحراء ليبيا وبالتحديد فى منطقة غدامس (مثلث الحدود بين ليبيا وتونس والجزائر) لمسافة 10 كيلو مترات، بعد اجتيازهم الحدود الجزائرية للداخل الليبي.
رحلة أماني التي كان القصد منها الوصول إلى أوروبا تحولت إلى أكثر من عملية بيع بين العديد من عصابات تهريب البشر، حيث تم تسليمها مع آخرين من مهرب لآخر ومن جماعة لميليشيا، دفعوا خلالها مبالغ مالية أضعاف المتفق عليها مقابل الإفراج عنهم أو تسهيل انتقالهم إلى أوروبا، إلا أنهم في نهاية الأمر لم ينجحوا في الوصول إلى أوروبا، وعادوا مرة أخرى إلى الجزائر بنفس طريقة التهريب.
في مايو 2021 انتقلت أماني بعد التنسيق مع أحد المهربين الجزائريين مقابل 350 دولارا، على أن يتسلمها أحد المهربين داخل الأراضي الليبية يدعى "يوباس" المسؤول عن تهريبهم إلى إيطاليا، وعبر مدينة غدامس الليبية انتقلت إلى منطقة مجهولة لتكتشف بعدها أنها ليست سوى مستودع به أكثر من 500 فرد من جنسيات مختلفة.
يدفعون الفدية لتحرير إبنتهم
ظلت أماني بعدها طوال الأشهر الخمسة تتنقل من سجن لآخر ومستودع لأخر في صبراته والزاوية ومناطق أخرى صحراوية، تدفع ما يطلب منها عبر وسيط في الجزائر يستلم الأموال دون أن تصل إلى إيطاليا لكنها عادت بنفس الطريقة إلى الجزائر مرة أخرى بعدما استدان أهلها لتحريرها وإنقاذ حياتها، حيث دفعت ما يقرب من 3 آلاف يورو بينما كان الاتفاق على 1000 يورو فقط قبل انطلاقها من الجزائر، وهو ما تكرر مع العديد ممن كانوا معها في الرحلة، في حين أن البعض تمكنوا من الانتقال إلى أوروبا بعد دفع مبالغ مضاعفة أيضا.
أماني ليست حالة فردية تم "تدوير فديتها" بين العصابات وبعضها، خلال محاولتها للهروب عبر رحلات هجرة غير شرعية، وبحسب «سبوتنيك» شهادات لضحايا وناجين من تلك العمليات المتكررة بعدما دفعوا "الفدية الدوارة" لعدة مرات للعصابات التي باعتهم لبعضها وكأنهم على اتفاق بينهم لتدوير تلك الفدية واستنزاف الكثير من الأسر عبر شبكة دولية من عصابات المهربين مع غض طرف وتواطؤ مُحتمل من قبل جماعات مسلحة وقوات أمنية رسمية وشبه رسمية في ليبيا.
الإتجار بالبشر فى ليبيا
ومنذ عام 2011، تشهد ليبيا حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وتنتشر فيها ميليشيات مسلحة عديدة حسب تقارير دولية للأمم المتحدة، وهو ما أكده وزير الداخلية الليبي اللواء صالح رجب.
وأفاد مكتب المدعي العام في ليبيا في مارس 2018 أنّه أصدر مذكرات توقيف بحق 205 أشخاص بتهمة الاتجار بالبشر وغيرها من الجرائم المتعلقة بهذه القضية، وأشار حينها إلى أنّ قوات الأمن ومسؤولين حكوميين آخرين متورّطين في القضية؛ ولا زالت القضية أمام القضاء الليبي.
حلم الهجرة يتحول لكابوس
ما عاشه الثلاثيني المغربي، محمد رشيد، كان أكثر وحشية من القسوة التي تعرضت لها أماني، خلال الرحلة التي بدأها من المغرب عبورا بالأراضي الجزائرية ووصولا إلى ليبيا بهدف الانتقال إلى إيطاليا والتي كانت عبر أكثر من وسيط.
كان رشيد يحلم بحياة أفضل في إيطاليا، إلا أن المهربين الذين اتفق معهم منذ البداية هم أنفسهم ضمن شبكات الاتجار في البشر التي تعمل بطرق ممنهجة بحيث تستقطب الشباب من مختلف الدول القاصدين الهجرة غير الشرعية لأوروبا ليحتجزوهم في مراكز داخل ليبيا والحصول على أموال طائلة عبر بيعهم لأكثر من عصابة، والتي تقوم بدورها بطلب فدية من أهاليهم إن لم يملكوا الأموال معهم.
محمد رشيد يقول بحسب «سبوتنيك» أن دفع الفدية يخضع لتفاوض حيث تطلب العصابات والجماعات مبالغ كبيرة في البداية على أمل الحصول عليها، وتتفاوض حتى الحصول على المبلغ الممكن.
ولفت رشيد إلى أنه ورفاقه نجحوا في الدخول من الحدود المغربية للجزائر، ومن ثم إلى مدينة وهران على بعد 432 كيلومترا عن العاصمة الجزائر، ثم مدينة ورقلة (شمال شرق الجزائر)، وصولا إلى مدينة دبداب أو الدبداب.
رجال بملابس نساء
عبر دروب يسلكها أفراد الشبكات انتقل محمد ورفاقه إلى الصحراء الليبية، وبعد دخولهم للصحراء ارتدوا جميعا ملابس نسائية ونقابا، فيما جلست سيدتان إلى جوار السائق للمرور من بوابات العبور، حيث يؤكد محمد أن وجود سيدات بالسيارات يعني عدم تفتيشها وتسهيل مرورها، ومن ثم نقلوا إلى مستودع به المئات من المهاجرين.
يستطرد محمد: "بعد احتجازنا في المستودعات طلبوا من كل شخص 1000 يورو لإعداد مركب التهريب إلى إيطاليا، إلا أنه وبعد يومين من حصولهم على المبلغ سلمونا لمهرب آخر نقلنا إلى مستودع آخر وسط أماكن صحراوية عبر دروب وعرة، وبعد 24 ساعة طلب منا أيضا 1000يورو وعندما قلنا أننا دفعنا للسابق مقابل التهريب، هددنا بتركنا في الصحراء وحتى قتلنا إن لم ندفع المبالغ".
وسطاء المافيا
يوضح محمد أنه أخبرهم أنه ليس لديه ما يكمل المبلغ، فأخبروه بأن يتواصل مع أهله ليعدوا المبلغ ويسلموه لأحد الوسطاء بمكان بالقرب مدينتهم، وأن أهله فعلوا ذلك في سرية تامة حفاظا على حياته، وتسلم الوسيط المبلغ في المغرب بالفعل.
يتابع: "بعد حصولهم على مبالغ مالية قاموا بإخراجنا من المستودع إلى المراكب المعدة للتهريب، إلا أننا فوجئنا بأنهم قاموا بإبلاغ القوات الأمنية التي قبضت علينا قبل أن نتحرك وأعادتنا مرة أخرى إلى السجون، ليطلب بعض أفرادها أيضا مبالغ مالية مقابل الإفراج عنا بعد عمليات تعذيب وضرب ومنع الطعام والشراب".
طريق العودة
يؤكد محمد في حديثه أنه قرر العودة للمغرب بنفس طريقة التهريب بعد نحو 5 أشهر قضاها في ليبيا دون أن ينطلق إلى إيطاليا بدأت في مايو 2021، دفع خلالها 3500 يورو على عدة مرة لأكثر من جماعة كفدية لإنقاذ حياته والعودة للمغرب.
الحاج هيثم، البيجا، الحاج يوباس، الحاج خليفة، الحاج أسامة، ومهند، والحاجة مريم، جميعها هي أسماء للسماسرة العاملين في تهريب البشر في ليبيا، إلا أنها حسب ما أكدت المصادر الليبية "أسماء مستعارة" للعاملين في التهريب، غير أن هناك قوائم أمام القضاء الليبي لأكثر من 200 متهم في هذه الجرائم.
جدير بالذكر أن يوجد المئات من القصص لضحايا هذه العصابات الإجرامية نظرًا لدخول ميليشيات وعناصر فاسدة منذ العام 2011، حيث استهدفت الأجهزة الأمنية منذ ذلك الوقت الأمر الذي أفسد الوضع، وهناك عصابات تنشط في الخطف وطلب الفدية.
استغاثات في سجون ليبيا
الشهادات التي وثقتها "سبوتنيك" للعشرات من جنسيات مختلفة أكدت أن سماسرة التهريب في الدول المختلفة هم ضمن شبكات المافيا الموجودة في الداخل الليبي، وأن المهاجرين غير الشرعيين يدفعون "فدية دوارة" أكثر من مرة داخل الأراضي الليبية قبل عبورهم إلى ليبيا أو عودتهم مرة أخرى إلى بلادهم حال عجزهم عن دفع كل ما يطلب منهم.