مسيرات الدم (2)
لم تكن المسيرات الإخوانية التي اصطلحت الجماعة على تسميتها مظاهرات بعد ثورة 30 يونيو سوى أخطاء جديدة أضيفت لسجل الضلالات التي روجتها الجماعة. ولست أظنني بحاجة إلى تقييم أحداث سبق للشعب المصري أن كان صاحب اليد الطولي والقرار الحاسم بشأنها بعد أن أثبت ذلك الشعب أنه فوق مستوى الوصاية السياسية أو الإنقياد وراء أي جماعة أو تيار مهما مارس ذلك التيار الخداع أو تاجر بأسمى ما وهبه الله للإنسان ألا وهو الدين، لكنني أحاول كشف ما رصدته ميدانيا خلال تلك التجمعات كصحفي اضطرته طبيعة مهامه وقتها إلى الرصد الخبري فقط من دون أن التطرق إلى تحليل مطول لأبعاد تلك الأحداث.
كان العداء للصحافة السمة الغالبة للقائمين على تنظيم تلك المسيرات والاعتصامات، وطالما دخل كاتب هذه السطور ما يسمى اعتصام النهضة الذي نظمته الجماعة أمام جامعة القاهرة بهوية رقم قومي عادية مكتوب فيها حاصل على ليسانس، وحينئذ كان يتم التعامل معي بمنتهى التودد باعتباري مشارك داعم لفكر الجماعة جئت من الصعيد للمشاركة في الاعتصام، أو هكذا ظنت اللجان القائمة على تنظيم دخول المعتصمين إلى مقر الاعتصام، وارتكازا إلى قواعد الصحافة الاستقصائية كان يحلو لي ذلك التوصيف ويساعدني ذلك الظن في أن أحصل من قلب الاعتصام على ما لم يحصل عليه أي زميل آخر من معلومات.
وأعترف أنني ندمت بعد ذلك حينما جرَّبت إبراز هويتي للقائمين على تنظيم تلك الاعتصامات على أنني صحفي، لأن توصيف صحفي كان يعني بالنسبة لي أن يتم اقتيادي لما كان يسمى المركز الإعلامي بجوار كلية الهندسة وذلك كان يعني أنني لن أحصل إلا على المعلومة التي يريد المعتصمون ترويجها أو منحها لي، على أن يتم متابعة طريقتي في النشر بعد تسجيل الموقع أو الصحيفة التي أعمل بها، لدى منظمي المركز الإعلامي.
لم يكن الاعتداء على الصحفيين في مسيرات جماعة الإخوان واعتصاماتهم بعد 30 يونيو أمرا غريبا عليهم؛ فقد بثت الجماعة لدى عناصرها أفكارا مفادها أن جميع الصحفيين والإعلاميين في معسكر الأعداء، ولا زلت أذكر توصيف إعلاميين بأنهم: رؤوس حيات، ودعاة فتنة، بل أذكر أن زميلا من صحيفة يومية تعرض لاعتداء بالصفع المتواصل على وجهه في إحدى المسيرات، وأذكر أن أحدهم سمعني أملي خبرا عبر الهاتف في إحدى المسيرات وإنقض علي يهاجمني بزعم أنه أراد أن يراجعني في معلومة لم ترق له ولجماعته..
مضت السنون على مسيرات الإخوان واعتصاماتهم، وبقيت حقائق لا بد أن تروى بشكل متزن حتى تعلم الأجيال القادمة خطر التمذهب الإيدلوجي والتعصب لتيار، وذلك إقرارا لدولة مدنية قوامها العدالة وإعلاء قيمة القانون والتسامح وقبول الآخر.. والله من وراء القصد.