مسيرات الدم (1)
في خضم العمل الصحفي اليومي، يواجه تحريرُ الخبرِ بشأن أحداث الأزمات أصعب التحديات المهنية التي تجعل محاولةَ ضبطِ أعصاب محرر المادة الصحفية في أشد تحدٍ أمام النفس، وقد كان قدري يومًا أن أُكَلَّفَ خلال عملي بتغطية تلك الاعتصامات والمظاهرات التي قامت بها جماعة الإخوان الإرهابية بعد ثورة 30 يونيو 2013، والتي اصطلحت الجماعة على تسميتها «مسيرات احتجاجية».
جرائم الجماعة الإرهابية
لم تكن الوقائع الخارجة عن نطاق الخبر الصحفي بالتغطيات المشار إليها، سهلة التناول حتى يقوم كاتب هذه السطور بتحريرها بشكل لحظي أو يتناولها بانفعال عابر، أو بتحليل مرتبط بوقائع لم تكن -حينئذٍ – في طور الاكتمال، حيث بدت تصرفات الجماعة الإرهابية حوادث وجرائم رهن سياق عام، ربما لم يكن قد اكتمل بالنسبة لي، بآلية تتيح لي التناول أو التحليل؛ لتظل خلفيات الأحداث المشار إليها وما تضمنته من تظاهرات واعتصامات، في طي التفكير على ما يربو عن سبع سنوات ملأها زخم الأحداث ومعطيات الواقع ونتائج متوالية نسجتها أحداث مرتبطة بظرف تاريخي دقيق عاشته مصر.
وليست هذه السطور، عرضًا خبريًّا لمحتوى مكرَّر أو إعادة نشر أخبار مستهلكة، بقدر ما هي محاولة للتحليل بشأن جماعة سياسيَّة أبت إلا أن تلصق نفسها بشعارات مقدسة وصدَّرت نفسها لقليلي الفكر، ولفقراء الحظ من التعليم، وأولئك الذين اكتووا بظروف اجتماعية قاسية، على أنها «حضن إيماني للحيارى»، و«نبراس يهدي الضالين في غياهب الظلمات»، بينما الحقيقة أنَّ تلك الجماعة الإرهابية التي نسجت لنفسها كيانًا وهالةً ذات رونق من قداسة مزيفة كانت مجرَّد كيان أو تشكيل أو تنظيم سياسي، حاول أقطابه مزج الدين بالسياسة؛ ففقدوا الاثنين معًا لينتهي ذلك المسخ الفكري، بأفعال أتباعه الذي ترجموا خلاف الرأي، إلى تطرف فكري، إنتهى بهم إلى ممارسات إرهابية ممنهجة.
وقد يسهل على أي كاتب جمع أي مادة علمية أو محاضرات تتعلَّق بتيار فكري أو مذهب، بينما من الصعب الحصول على تحليل مؤسس على معايشة ميدانية، في أحداث ربما يكون سبب حضورها أن يدفع طالب المعلومة فيها حياته ثمنا لتلك المعلومة، أو هكذا أظهرت التغطيات الميدانية التي كان قدري أن أقوم بمتابعتها.
وقد آثرت بعد مضي تلك الفترة أن أحاول تلمس حقيقة تلك الأحداث التي طالما حاولت الجماعة الإرهابية وأبواقها في الخارج تناولها وعرضها بعناوين مغايرة لواقع تلك الجماعة وإرهابها وإجرامها؛ عسى أن تكتمل الرؤية لدى أولئك الذين ساورهم الشك أحيانا أو استمالتهم العاطفة المزيفة، أو وقعوا ضحايا في فخ المرجفين في العقول من المنتمين لتلك الجماعة الآثمة الذين يحترفون قلب الحقائق وممارسة الخداع الممنهج والكذب البواح.