ما حكم علاج المواطن الفقير غير المسلم من أموال الزكاة؟.. دار الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه “ما حكم علاج المواطن الفقير غير المسلم من أموال الزكاة؟”، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
حدد الإسلام مصارف الزكاة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، أي: أنها لِبِناء الإنسان قبل البُنيان، فكِفاية الفقراء والمحتاجين مِن الـمَلْبَسِ والـمَأكلِ والـمَسْكَنِ والمعيشةِ والتعليمِ والعلاجِ وسائرِ أمورِ حياتِهم هي التي يجب أن تكون مَحَطَّ الاهتمام في المقام الأول؛ تحقيقًا لحكمة الزكاة الأساسية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «تُؤخذ مِن أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم» رواه البخاري، وهذا يَدخل فيه علاجُ المرضى غيرِ القادرين والصرفُ منه على الخدمة الطبية التي يحتاجونها وتوفير الدواء لَهُم دخولًا أوَّليًّا.
والفقهاء مختلفون في جواز إعطاء غير المسلم من الزكاة: فجمهورهم على منع ذلك إلا في مصرف المؤلفة قلوبُهم؛ استدلالًا بالحديث السابق، بل ونقل فيها الإمامُ ابنُ المنذر الإجماع.
حكم إعطاء غير المسلم من الزكاة
وخالف في ذلك جماعةٌ من الفقهاء، فأجازوا دفع الزكاة لغير المسلم إذا كان من مستحقيها؛ استدلالًا بعموم آية مصارف الزكاة التي لم تفرق بين المسلمين وغيرهم؛ حتى قال الإمام الرازي في "تفسيره" (16/ 89، ط. دار إحياء التراث العربي): [عموم قوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ يتناول الكافر والمسلم] اهـ، وهذا مشهورٌ من مذهب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومحمد بن سيرين، والزهري، وجابر بن زيد، وعكرمة، وابن شبرمة، من التابعين، وهو قول الإمام زُفَر صاحب الإمام أبي حنيفة رحمهم الله تعالى، وقول للحنابلة إذا كانوا من العاملين عليها.
فعن أبي بكر الْعَبْسِيِّ قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يميز إبل الصدقة ذات يوم، فلما فرغ انصرف فمرّ برجل من أهل الكتاب مطروح على باب، فقال له عمر: "ما لك؟" فقال: استكدَوْني وأخذوا مني الجزية حتى كُفَّ بصري، فليس أحد يعود عليّ بشيء. فقال عمر: "ما أنصفنا إذن"، فأمر له بقوته وما يصلحه، ثم قال: "هذا من الذين قال الله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾، الفقراء: هم زَمْنَى أهل الكتاب"، ثم أمر له برزق يجري عليه. أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" مطوَّلًا، وأخرجه سعيد بن منصور في "السنن"، وابن أبي شيبة في "المصنف" مختصرًا.
قال العلامة السياغي الصنعاني (ت: 1221هـ) في "الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير" (2/ 427، ط. دار الجيل): [ففيه دلالة أن مذهب عمر رضي الله عنه جوازُ صرفها في أهل الكتاب، وقد نقل عنه صاحب "المنار" -يعني: "المنار على البحر الزخار" في فقه الزيدية- نحوه، وحكاه في "البحر" -يعني: "البحر الزخار"- عن الزهري وابن سيرين، وحجتهم عموم لفظ الفقراء في الآية، وحديث: «الفقراءُ عَالَةُ الأغنياء»] اهـ.
وروى الإمام أبو يوسف القاضي في كتاب "الخراج" (ص: 139، ط. المكتبة الأزهرية للتراث): [عن أبي بكرة قال: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: "من أي أهل الكتاب أنت؟" فقال: يهودي، قال: "فما ألجأك إلى ما أرى؟" قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: "انظر هذا وضرباءه؛ فوالله ما أنصفناه؛ أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾، والفقراء: هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب"، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. قال أبو بكرة: أنا شهدت ذلك من عمر رضي الله عنه ورأيت ذلك الشيخ] اهـ.
ويتأكد الأمر إذا ما كانوا مرضى وغير قادرين على التداوي والعلاج، وذلك ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع المصابين بالجُذام من غير المسلمين؛ حيث أمر أن يعطوا من الصدقات وأن يجري عليهم القوت:
فروى العلامة البلاذري في "فتوح البلدان" (ص: 131، ط. دار ومكتبة الهلال)، قال: [حدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عند مقدمه الجابيةَ من أرض دمشق، مر بقوم مُجذَّمين من النصارى، فأمر أن يُعطَوْا من الصدقات، وأن يجري عليهم القوت] اهـ.
وعن عمر بن نافع قال: سمعت عكرمة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ قال: "لا تقولوا لفقراء المسلمين: مساكين؛ إنما المساكين: مساكين أهل الكتاب" أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير".
وعن جابر بن زيد: أنه سئل عن الصدقة فيمن توضع؟ فقال: "في أهل المسكنة من المسلمين وأهل ذمتهم"، وقال: "قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".
قال العلامة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 203، ط. دار المعرفة): [وعند زفر رحمه الله تعالى: فإنَّه يجوزُ دفعها إلى الذميّ وهو القياس؛ لأن المقصود إغناء الفقير المحتاج على طريق التقرب، وقد حصل] اهـ.
وقال الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" (3/ 338، ط. دار الكتب المصرية): [وقال المهدوي: رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة لهذه الآية] اهـ.
وقال العلامة العمراني الشافعي في "البيان" (3/ 441، ط. دار المنهاج): [قال الزهري وابن سيرين: يجوز دفعها إلى المشركين] اهـ.
ولا يخفى أن التنوع البشري واختلاف الديانات هو من السنن التي أرادها الله في خلقه، وإعمار الكون وتحقيق مبدأ الاستخلاف في الأرض إنَّما يكون على وفق مراد الله؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۞ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: 118-119]، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ هذا الاختلاف يستوجب التعاون بين بني الإنسان، ويتطلب التنافس بينهم في حسن المعاملة وفعل الخير، وأن يُظهر أهل كل دين جمال ما عندهم من القِيَم والأخلاق؛ فقال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148]، وقال سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة: 48].
نظرة الإسلام لأصحاب الديانات الأخرى
والدين الإسلامي ضرب أروع الـمثل في التعاون والتعايش وحسن المعاملة لأصحاب الديانات الأخرى، فمنذ أن تأسست الدولة الإسلامية وتوطدت أركانها، رسَّخت مبدأ المواطنة القائم على التناصر والتآزر والتعاون، وجعلت لرعاياها على مختلف طوائفهم حقوقًا وواجبات من الكفالة والرعاية والحماية، ولم تفرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم.
وكان مما كفلت به الشريعةُ رعاياها: كفاية حاجة الفقراء والمحتاجين؛ فشرعت الزكاة، والصدقات، والكفارات، والنذور، والأوقاف، وعدَّدت طرق البر والخير التي تكون مددًا وموردًا موصولًا للفقراء؛ كالأضحية، وصدقة الفطر، والهدي، ونحو ذلك؛ ليحصل التوازن بين رعايا الدولة من الفقراء والأغنياء.
ولذلك فإن جمهورَ الفقهاء الذين يَرَوْنَ عدم جواز إعطاء الزكاة لغير المسلم، قد نَصُّوا على أنه يشرع إعطاء غير المسلمين من رعايا الدولة الإسلامية من أموال الزكاة إذا لم تَفِ الموارد الأخرى بحاجتهم.
فالسادة الحنفية مع تقريرهم أن الزكاة هي أحد الموارد الشرعية لبيت المال، وأن مصارفه تختص بالمسلمين، فقد نَصُّوا على أن أهل الذمة يُعطَوْن منه عند الحاجة والضعف وخوف الهلاك
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (3/ 19): [ولا شيء لأهل الذمة في بيت المال وإن كانوا فقراء؛ لأنه مال المسلمين، فلا يصرف إلى غيرهم، وكذلك لا يُرَدُّ عليهم مما أخذ منهم العاشر شيئًا؛ لأن المأخوذ صار حقًّا للمسلمين، ومن الناس من قال: إذا كان محتاجًا عاجزًا عن الكسب يُعطَى قدرَ حاجتِه؛ لِمَا رُوِيَ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى شيخًا من أهل الذمة يسأل، فقال: "ما أنصفناه! أخذنا منه في حال قوته، ولم نَرُدَّ عليه عند ضعفه"، وفرض له من بيت المال] اهـ.
وقال العلامة ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (5/ 128، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وفي "الحاوي القدسي" و"المحيط": ولا شيء لأهل الذمة في بيت مال المسلمين، إلا أن يكون ذميًّا يهلك لضعفه، فيعطيه الإمام منه قدر ما يسد جوعته] اهـ.
بل إن الشريعة الإسلامية جعلت لرعايا الدولة الإسلامية حقوقًا واجبةً في أموال الأغنياء إذا لم تَفِ الزكاةُ ولا بيتُ المال بذلك، فجعل لهم من الحق الواجب ما يقوم بحاجتهم ويسد خلتهم ويدفع فاقتهم؛ حيث نص الفقهاء على أن دفع الضرر عن غير المسلمين والمستأمنين وإزالة فاقتهم فرض كفاية على المسلمين، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك؛ فأوجبوها في أموال الأغنياء إذا لم تَفِ الزكاةُ ولا بيت المال ولا الأوقاف والصدقات الجارية ولا الكفارات والنذور بذلك؛ حيث إن الشريعة قد جعلت لرعايا الدولة الإسلامية الفقراء في مال الأغنياء حينئذٍ من الحق الواجب ما يقوم بحاجتهم ويسد خلتهم ويدفع فاقتهم.
قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص: 307، ط. دار الفكر): [ومن فروض الكفاية.. دفع ضرر المسلمين؛ ككسوة عار، وإطعام جائع، إذا لم يندفع بزكاة وبيت مال] اهـ.
قال الإمام الإسنوي معلِّقًا عليه في "المهمات" (8/ 391، ط. دار ابن حزم): [تخصيصه بالمسلمين باطل؛ فإن أهل الذمة والمستأمنين يجب أيضًا دفع ضررهم بالستر والإطعام وغيرهما كما يجب للمسلم، وقد صرح الرافعي بالمسألة في باب الأطعمة في الكلام على المضطر] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في تعداد فروض الكفاية في "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" (2/ 208، ط. دار الفكر): [(ودفع ضرر معصوم) من مسلم وغيره؛ ككسوة عار، وإطعام جائع، إذا لم يندفع ضررهما بنحوِ وصيةٍ ونذرٍ ووقفٍ وزكاةٍ وبيتِ مالٍ من سهم المصالح، وهذا في حق الأغنياء، وتعبيري بالمعصوم أولى من تعبيره -أي تعبير الإمام النووي- بالمسلمين] اهـ.
وإذا كان سيدنا عمر رضي الله عنه أعطى غير المسلمين من الزكاة سدًّا لحاجتهم وجبرًا لخلتهم، فلأن يجوز ذلك للمواطنين من باب أولى وأحرى؛ فإن المواطنة تفرض على المسلم حقوقًا لمواطنيه منها: التناصر والتآزر، والتعاون، والمواساة، ورد التحية، والنصيحة وحسن الخلق والمعاملة بالمعروف، والدفاع عنه وعن حرماته وأمواله، ورعاية المرضى، وعيادتهم، وتشييع الجنائز والبر والرحمة والتخفيف عن أهل المتوفى في مصابهم، وذلك من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان.
وقد أهدى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي سفيان رضي الله عنه تمرَ عجوةٍ حين كان بمكة حربيًّا، واستهداه أَدَمًا، وبعث بخمسمائة دينار إلى أهل مكة حين قَحَطُوا؛ لتُفَرَّق بين المحتاجين منهم؛ ذكره الإمام السرخسي في "المبسوط" (10/ 92).
فبالنسبة للزكاة: جعل الشرع الشريف كفاية الفقراء والمساكين هو آكد ما تصرف فيه الزكاة، وأن الأصل فيها كفايتهم وإقامة حياتهم ومعاشهم؛ إسكانًا وإطعامًا وتعليمًا وعلاجًا وتزويجًا، وهذا يدل على أن الزكاة مشروعة لبناء الإنسان وكفاية حاجته، وما يتصل بأمور معيشته من ضروريات الحياة وحاجياتها؛ أي: أنها للإنسان قبل البنيان، وللساجد قبل المساجد.
قال الإمام الجَصَّاص الحنفي في "أحكام القرآن" (3/ 136، ط. دار الكتب العلمية): [المفروض إخراجه هو الزكاة، إلا أن تحدث أمور توجب المواساة والإعطاء نحو: الجائع المضطر، والعاري المضطر، أو ميت ليس له من يكفنه أو يواريه] اهـ.
وقال العلامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 261): [وصحَّ دفع غير الزكاة إلى الذمي واجبًا كان أو تطوعًا؛ كصدقة الفطر، والكفارات، والمنذور؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [(و) تحل -أي: صدقة التطوع- لغير المسلم] اهـ بتصرف يسير.
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 539، ط. مكتبة القاهرة) أثناء كلامه عن الكفارات: [وقال أبو ثور، وأصحاب الرأي: يجوز دفعها إلى الذمي؛ لدخوله في اسم المساكين، فيدخل في عموم الآية؛ ولأنه مسكين من أهل دار الإسلام، فأجزأ الدفع إليه من الكفارة؛ كالمسلم. وروي نحو هذا عن الشعبي. وخرجه أبو الخطاب وجهًا في المذهب؛ بناء على جواز إعتاقه في الكفارة] اهـ.
ولا يخفى أن القضاء على الأمراض وعلاج الأوبئة الفتاكة من أهم مقومات حياة الإنسان ومعيشته، وفيه تحقيق لأعظم المقاصد الكلية العليا للشريعة الغراء وهو حفظ النفس؛ لذلك يُشرع لهم حقٌّ من أموال الزكاة والصدقات، ويتعيَّن ذلك على الأغنياء إذا لم يندفع بزكاةٍ وبيت مال:
يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات" (3/ 121، ط. دار ابن عفان): [المقصود بمشروعيتها: رَفْعُ رَذِيلَةِ الشُّحِّ، وَمَصْلَحَةُ إِرْفَاقِ الْمَسَاكِينِ وَإِحْيَاءُ النفوس المعرضة للتلف] اهـ.
وقال العلامة الجمل الشافعي في حاشيته عليه "فتوحات الوهاب" (5/ 183، ط. دار الفكر): [(قوله: ودفع ضرر معصوم) وهل المراد بدفع ضرر من ذكر ما يسدّ الرمق أم الكفاية؟ قولان؛ أصحهما: ثانيهما؛ فيجب في الكسوة ما يستر كل البدن على حسب ما يليق بالحال من شتاء وصيف، ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناهما؛ كأجرة طبيب، وثمن دواء، وخادم منقطع، كما هو واضح.. (قوله: إذا لم يندفع ضررهما.. إلخ) منه يؤخذ أنه لو سئل قادر في دفع الضرر لم يجز له الامتناع وإن كان هناك قادرٌ آخر، وهو متجه؛ لئلا يؤدي إلى التواكل] اهـ.
وعلى ذلك: فيجوز شرعًا إعطاء الزكاة لغير المسلمين من المواطنين المحتاجين إلى العلاج؛ أخذًا بظاهر آية الزكاة التي لم تفرق بين مسلم وغير مسلم، وعملًا بمذهب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مذهب جماعة من السلف الصالح وبعض فقهاء المذاهب المعتبرين.