اختبار كاشف!
كورونا كانت ولا تزال اختبارًا حقيقيًا لدول العالم أجمع؛ اختبارًا للقيم والأخلاق، والقدرة على إدارة الأزمات والصمود في وجه التحديات، اختبارًا لمدى الوعي والوطنية الصادقة الإيجابية، اختبارًا كاشفًا لمعدن البشر ومدى نقائهم أو تلوثهم.. من سيمد يده من القادرين لاستنقاذ دولته وبني وطنه من فيروس حير العلماء، ويمكنه إذا تمدد لا قدر الله أن يهلك أرواح ملايين البشر، وأن يهوى بأي منظومة صحية إلى القاع مهما يكن تماسكها.
أزمة كورونا لا تزال، رغم مرور كل هذا الوقت، تحظى باهتمام سياسي وإعلامي ومجتمعي غير مسبوق، وهي الموضوع الرئيس للميديا على اختلاف وسائلها حيث تغيرت اهتماماتها وأولوياتها.. لكن تضارب أقوال العلماء والساسة ومنظمة الصحة العالمية لا يزال يمثل مشكلة كبرى في التعامل مع الجائحة؛ وهو ما زاد من حيرة البشر جميعًا ومخاوفهم؛ ذلك أن أحد لا يعرف يقينًا متى ينتهي هذا الوباء المتحور لتعود للناس حياتهم الآمنة الخالية من التوتر والألم.
محن ومنح كورونا
ورغم صعوبة الأحوال فلن تكون كورونا هي نهاية العالم؛ فكم موجات من الأوبئة القاتلة والفيروسات الفتاكة مرت بالبشرية وأخذت دورتها ثم اختفت وصارت مجرد تاريخ مرضي.. وكما تغيرت أولويات الإعلام والسياسة والاقتصاد مع كورونا فسوف تتغير أيضا ً بعد زوالها.. وسوف تتخلق نظم جديدة تمثل فيها تكنولوجيا الاتصالات والمعرفة والرقمنة مع التعليم والصحة والبحث العلمي صدارة الأولويات في كل دول العالم.. شاء من شاء وأبى من أبى.
ورغم أن كورونا أخرجت أسوأ ما عند بعض البشر، وخلقت ما يسمى بأغنياء كورونا.. لكنها خلقت في المقابل تغيرًا جوهريًا في تفكير الشعوب والحكومات، وأوجدت أنماطًا سلوكية واتجاهات إجبارية جديدة مثل العمل من المنزل والتعليم عن بعد والشراء أون لاين.. وربما تخرج من بطون المحن منح تنعم بها الإنسانية يومًا ما تفوق ما عانته من ويلات وما تكبدته من خسائر.. ربما تتخلق سلوكيات أفضل تقلل الوقت والجهد وتخفف زحام المرور وطوابير المصالح الحكومية.. وربما أفرزت أخلاقًا أكثر إنسانية ورحمة.. وفي كل الأحوال فإن سلوكيات كثير من الناس سوف تتغير جوهريًا لتتسق أكثر مع جوهر الأديان ورسالات السماء لتنعم الإنسانية بحياة أفضل.
ما يحتاجه العالم اليوم أكثر من ذي قبل هو التعاون والتراحم والتكافل والتنسيق للخروج من هذا الكابوس بأقل ما يمكن من الخسائر.. وإذا كان العلماء في دول عديدة واصلوا العمل ليل نهار ونجحوا في التوصل للقاحات تقلل الآثار الكارثية لكورونا.. فإن البشرية لا تزال في حاجة لمزيد من الجهد العلمي الدءوب والمنظم في مراكز الأبحاث والمعامل للوصول لتشخيص أكثر دقة ولقاحات وأدوية أكثر فعالية للوباء المستجد.. لتفادي خطورته إذا ما تجدد ظهوره لا قدر الله مستقبلًا.