الخيميائي فتحي التونسي يظهر في التأمين الصحي
ميرهان خليل كاتبة واعدة قدمت للمجتمع رواية تحمل معانٍ عميقة مستوحاة من واقعنا بِمُرِه ومُرِه، في رواية أسمتها "كلهن أنا"، ولا أرى أيادي القراء تمتد لمثل ذلك النوع من الأدب، رغم أنه النوع الذي اجتذب العالم نحو الأديب الفذ نجيب محفوظ، وتمنيت لو انصرف شبابنا نحو ما يمس واقعنا، وليس ذلك لروعة الواقع، بل لأنه فاق الخيال، ومن ثم فلا حاجة لنا بقصص ينسجها مؤلفوها من بنات أفكارهم.
ويزاد عجبي من إقبال القراء في مصر والعالم أجمع على روايات بعيدة عن الواقع وقريبة من الأساطير، يبحثون فيها عن الحكمة الغائبة، التي تصير بعد إدراكها ملء أسماعهم وأبصارهم، وسبب تعجبي أن واقعنا حافل بما تحفل به الأساطير، كما أشعر بغضاضة تجاه أقلامنا الشابة التي تغفل عن كنوز بين أيديها، وتبحث عنها في العالم الافتراضي، وهي تصبو نحو العالمية.
ولا ينقطع عجبي من رواية تُرجمت إلى ٨١ لغة، ودخلت موسوعة جينيس العالمية، وبيع منها أكثر من ٢١٠ مليون نسخة في ١٧٠ دولة، ولم يخرج لها نظيرٌ مصري، ولست أقلل بالطبع من شأن رواية "الخيميائي"، للبرازيلي باولو كويلو.
مجموعة أحداث
ولكني اليوم ألفِتُ الأنظار إلى حكاية "الكيميائي" فتحي التونسي، وهي مجموعة أحداث يرويها صاحبها، بأسلوبه البسيط، ورأيت أن أضعها بين أيديكم، كما هي، فإن لم تمتد إليها أقلام الكتاب الأفذاذ لتجعل منها رواية إنسانية تخاطب وجدان العالم، فيكفيني أن تمتد إليها أعين القراء ليبحث كل منهم عن الحكمة والرسالة من هذه الشكوى.
كان لابد أن أحكي حكايتي مع التأمين الصحي حتى أنفس عن عما بداخلي، واعذروني إذا أطلت عليكم في البداية خلفية قصيرة عن أول تعامل مع عيادات التأمين الصحي كان عقب بلوغي سن التقاعد بعامين تقريبًا، في غضون شهر إبريل عام ٢٠١٠ بعد أن أجريت عملية توسيع وتركيب دعامتين بمعهد القلب القومي كلفتني أكثر من ١٥ ألف جنيه حينذاك، ثم أصبت بالرجفان البطيني واحتجزت بمعهد القلب القومي لمدة تزيد على شهر، وكان من المفروض تركيب جهاز صدمات على القلب، ولم أركبه وتكلفت حوالي ٢٠ ألفا أخرى، وصرف لي التأمين الصحي عن كل هذا 4000 جنيه بعد تقدمي بشكوى.
التأمين الصحي
ولي علاج شهري بحوالي ٢٥٠ جنيه أصرفه شهريًا على حسابي، وآخر ما صرفته من التأمين الصحي، كان شهر أغسطس عام ٢٠١٠، وحاليًا ولظروف طارئة احتجت للتأمين الصحي لإجراء عملية كتاراكت لعيني اليسرى توجهت لعيادة التأمين الصحي بالمظلات التابع له وطلب الطبيب تحاليل طبية وعمل مسحة في عيادة تأمين صحي مسرة، وقياس عدسة في مستشفى شبرا للتأمين الصحي، وكل أخذ أكثر من ٣ مشاوير.
وفي عيادة التأمين الصحي بمسرة مثلًا لسوء الحظ، ذهبت يوم الخميس فطلبوا مني الحضور يوم السبت، لأن دي مزرعة والجمعة إجازة مينفعش، وفي مستشفى شبرا للتأمين الصحي، أول مرة الكشوفات خلصت جيت متأخر، ولا نأخذ أكثر من ٣٠ كشف، وفي المرة التانية حضرت في السابعة صباحًا وبعد إنتظار طويل طلبت مني الطبيبة الحضور الأسبوع القادم، وخلي الممرضة تحط لك قطرة عشان فحص قاع عين، ثم توجهت لخدمة العملاء طلبوا مني الذهاب لعيادة التأمين الصحي بالمظلات.
مريض بالقلب
وهكذا أكتر من ٢٠ يومًا دوخيني يا لمونة في هذا البرد القارس لـ مسن ٧٣ سنة ومريض بالقلب، ذهبت للتأمين الصحي بالمظلات، وكلي أمل بانتهاء الرحلة، ولكن للأسف طلبوا مني الذهاب لمستشفى شبرا للتأمين الصحي، يا جماعة ما أنا كنت هناك قالوا لي المظلات.
مفيش فايدة توجهت لمدير العيادة للشكوى، وهنا ظهرت الفتوى التي حسمت كل شيء، التحاليل دي بقي لها أكثر من٢٠ يوم ماينفعش إيه قعدك في البيت كل ده؟ وهذا ما استفزني ٢٠ يوم ما بين عيادات التأمين الصحي بالمظلات ومسرة وشبرا من الصباح الباكر في عز البرد، وفي النهاية إيه اللي قعدك في البيت كل ده، شكرا لاهتمام الدولة بالمسنين شكرا للكارت الذهبي.
وبعد أن سمعنا موجز القصة التي تتشابه مع آلاف القصص والأوجاع، فهل يخرج لنا مُبدعٌ فذ وأديب ذو أفكارٍ راقية، ليسطر لنا رواية يناقش فيها كيف يمكن أن يكفُر الإنسانُ ببلده التي أفنى عمره فيها، لأنه لم يجد ثمن العلاج؟ وما الحل؟ ويا تُرى ماذا سَيُسَميها؟.. وللحديث بقية.