حرب سلطات والضحية لبنان
ألقى التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، حجرًا في مياه لبنان الراكدة، بعدما كشف أدلة تورّط حزب الله اللبناني مع الحوثيين، لاستهداف السعودية واليمن، مؤكدا أن حزب الله نشر الدمار والإرهاب عربيًا، وهو سرطان في لبنان أثّر على اللبنانيين بالدرجة الأولى، استجابة لإملاءات ملالي إيران الساعية للسيطرة على الدول تباعا وبسط نفوذها وفكرها الطائفي.
إعلان التحالف العربي له تداعيات وتبعات كثيرة تعمق أزمة لبنان وإنهياره المتسارع وتزيد الضغط عليه خارجيا وداخليا، خصوصا أن حكومة ورئاسة لبنان لا تدين ولا تشجب ممارسات وإرهاب حزب الله، وتكتفي بحرصها على أفضل العلاقات مع الدول العربية دون اتخاذ خطوة عملية لترجمة ذلك، في ظل سيطرة حزب الله على قرار الدولة.
تبع إعلان التحالف العربي وتهديده حزب الله برد موجع، أن دعا رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي إلى حوار وطني بشأن السياسة الخارجية وتحسين الروابط مع دول الخليج، والأمر نفسه دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمة متلفزة، أبدى خلالها رغبته بأفضل العلاقات مع الدول العربية وتحديدًا مع دول الخليج، وأن الحوار "يجب أن يشمل اللامركزية الإدارية والاستراتيجية الدفاعية والخطة التعافي الاقتصادي".
تحريك المياه الراكدة
رد الفعل الأقوى، جاء من القاضية في النيابة العامة بجبل لبنان غادة عون، التي قبلت الشكوى المُقدّمة من رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض وفريق من المحامين، موكلين من أهالي منطقة عين الرمانة ضد حسن نصرالله، شخصيًا واتهموه بـ"اجتياح المنطقة وترويع أبنائها والاعتداء عليهم وتخريب ممتلكاتهم"، مقدمين أدلة تورط مقاتلي حزب الله وعناصر حركة أمل التابعة لرئيس البرلمان نبيه بري. وقررت القاضية غادة عون، إحالة الدعوى على رئيس جهاز أمن الدولة، وكلفته بإجراء التحقيقات بشأنها وإبلاغها بالنتائج، مثلما فعلت في دعوى مماثلة تقدم بها ذوو ضحايا اشتباكات الطيونة في أكتوبر الماضي، ضد رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، واعتبروا أنه "نصب كمين مسلح للمتظاهرين السلميين وقتل ستة منهم".
لا يخفى أن الدعوى ضد حسن نصرالله، شكلت اختبارًا لمصداقية القاضية غادة عون، المحسوبة على فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، ومساواتها بين المتنازعين من طوائف الشعب، وكان أن اتخذت القرار نفسه بقبول الدعاوى ضد سمير جعجع وحسن نصرالله، وإحالتها إلى أمن الدولة، ويفترض أن يباشر أمن الدولة التحقيق ويستدعي الثنائي سمير جعجع وحسن نصرالله، ما يعني فعليًا وقانونيًا سقوط هيبة حسن نصرالله واستعصائه على القضاء اللبناني، سواء حضر التحقيق أو لم يحضر.
تحريك مياه لبنان الراكدة لم يمنع استمرار الحرب بين السلطات والقيادات العليا في البلد، فبعدما صوب الرئيس ميشال عون، قذائفه على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، واتهمه بإهدار أموال الشعب، ورد سلامة بأنه لن يكون كبش محرقة، والنيران التي تصيبه لن يسلم منها بقية القيادات، بينما رأى رئيس الوزراء ميقاتي، أن يستمر سلامة في منصبه رغم التحقيقات الجارية بشأن اختلاسات في لبنان وبالخارج، وقال "خلال الحرب ما بنغير ضباطنا وننتظر نتيجة التحقيقات".
عرقلة الانتخابات النيابية
اتهم الرئيس عون في كلمته، البرلمان بعرقلة اجتماع الحكومة وسد أفق حل أي أزمة، معتبرًا أن "العرقلة في مجلس النواب تساهم في تفكيك الدولة"، وهو يقصد بكلامه رئيس مجلس النواب نبيه بري، خصمه السياسي منذ سنوات طويلة، والحرب بينهما تزداد شراسة عبر الفضائية والمنصات الإعلامية التي يملكها كل منهما. وألمح الرئيس ميشال عون في كلمته أيضا إلى ممارسات "حزب الله" بقوله "أرغب بأفضل العلاقات مع الدول العربية وتحديدًا مع دول الخليج، وأسأل عن المبرّر لتوتير العلاقات معها والتدخل في شؤون لا تعنينا؟".
لم يضغط عون في كلمته على حزب الله رغم أنه سبب جميع مشكلات لبنان في الداخل والخارج، لرغبته في عدم خسارة حليفه الأساسي في منظومة الحكم، ولا يمكن أن يفترق عنه مهما اختلفت الرؤى في قضايا بعينها، فالرئيس عون وصهره باسيل، ليس لهما حليف سوى حزب الله، والأخير لا يتعامل معه أحد سوى تيار عون وباسيل، فالتقت مصالحهما لتقاسم السلطة والنفوذ في لبنان.
يرى عون، أن "التغيير آتٍ وسيكون فكريا وعمليا لأننا وصلنا إلى ما نحن عليه نتيجة الخطيئة والسرقة والفساد والفشل في النظام إلاّ أن التغيير بحاجة إلى سنوات". كلمة عون الإنشائية، لا تحجب حقيقة سعيه وحليفه حسن نصرالله، لعرقلة الانتخابات النيابية المقررة في مايو المقبل وربما أيضا انتخابات الرئاسة، لإدراكهما أن طوائف الشعب لن تسمح باستمرارهما في الحكم، والرئيس عون يريد أن يخلفه صهره جبران باسيل في رئاسة لبنان، وحسن نصرالله يسعى لضمان سيطرته على القرار اللبناني داخليا وخارجيا لمصلحة إيران، لذا يخططان سويا لتعطيل أي خطوة تبعدهما عن السلطة.