الكفر بالديمقراطية!
من المسؤول عن وضع الشعوب العربية خاصة وشعوب العالم الثالث على وجه العموم بين مطرقة الديكتاتورية التي يصاحبها استقرار نسبى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا -ولو ظاهرى- وبين سندان الديمقراطية وما يصاحبها من فوضى وعدم استقرار قد يصل إلى تهديد كيان الدولة نفسها فضلا عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.. إلخ.
طبعا الإجابة معروفة إلى حد كبير.. وهى المستفيدون من استمرار الديكتاتورية والاستحواذ على ثروات الشعوب سواء كانوا من الداخل أو الخارج.. إذا سلمنا بذلك فهذا يعنى أن الشعوب عنصر غائب ومفعول به وإذا تحولت إلى عنصر فاعل في لحظات نادرة تتم سرقة ثورتهم من قبل جماعات المصالح في الداخل والخارج.. نعم وبلا شك القوى الغربية أوالإقليمية لها مصالح تتفاوت بين التدمير والسيطرة وحتى وضع هذه الشعوب تحت غطاء التبعية.
لكن ألم يسأل أحد منا قبل مطالبة الآخرين أن يمارسوها معنا هل نحن نمارس الديمقراطية في حياتنا، في البيت والمدرسة والجامعة والعمل والنقابات والأندية.. وكلها مجالات بعيدا ولو بشكل غير مباشر عن السياسة، وإن كانت هي الجينات المكونة لكروموسات حياتنا السياسية فيما بعد.
هل نحن مستعدون للدفاع عن الديمقراطية حتى لو تعارضت مع مصالحنا الآنية من أجل منافع مستقبلية، وإن لم تكن أزيد فيكفيها أنها مغلفة بالحفاظ على كرامتى وآدميتى، بدلا من الطعام المغموس بالذل و اللا آدمية.
بصراحة هل نحن شعوب تنفع معها الديمقراطية؟ والإجابة مطلوبة وبلا تشنج أو عصبية مع العلم إننى من أشد المدافعين عنها وأرى أن تصحيح مسيرتها يكون بالاستمرار وإصلاح الأخطاء، لكن الواقع يجعلك تكفر بها إن شاهدت أن الوحيدين المستفيدين بها في كل مكان هم القتلة واللصوص والبلطجية وقطاع الطرق.. الخ.
تدهور الديمقراطية
تعالوا نرى من يفوز في أي انتخابات نزيهة وديمقراطية؟ الفائز غالبا ليس الأصلح إلا إذا كان الأصلح -كما نعتقد- محميا بالمال أو المصالح أو العلاقات التي قد يكون جانبا منها غير نظيف. والمسألة لا تحتاج إلى دليل إثباتي.. إذهب إلى أى قامة سياسية أو فكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو قانونية وتصلح للعمل العام وتملك الكثير من الرؤى إذا طبقت تحول المجتمع إلى صاروخ في التقدم، وأطلب منه النزول لمعترك الانتخابات، طبعا سيرفض، لكن تعالوا نفترض أنه سيوافق ولو من قبيل التجربة، ستجد الفشل هو نصيبه، وستجد الفائز على الأقل لا يقارن مع هذه الشخصية، لكن فوزه قد جاء لأسباب أخرى ليس من بينها الكفاءة.
الحكايات كثيرة وأذكر مثلا الحكاية الشهيرة للمفكر أحمد لطفى السيد وهو من أبرز المثقفين المصريين وأول مدير للجامعة المصرية لتكشف أسباب الكارثة، فقد تسببت الديمقراطية فى سقوط أبو الديمقراطية الحقيقية فى مصر ففى أول انتخابات بعد إصدار دستور 1923 الذى جاء نتيجة لثورة 1919 أشاع أحد خصومه في الانتخابات في أوساط الناس بأن لطفى السيد رجل ديمقراطى، وأوعز لأحد معاونيه أن يسأله يعنى إيه ديمقراطى؟
معنى الديمقراطية
وعندما سأله كانت إجابته إن الديمقراطية تعني إذا كان من حق الرجل الزواج أكثر من مرة ويجمع على ذمته أربع زوجات في وقت واحد فلابد أن تتمتع الزوجة بهذا الحق وأن تتزوج أكثر من واحد، فى نفس الوقت.. وأشاع هذا السياسي أن هذا هو ما يراه أحمد لطفى السيد أبو الديمقراطية.. وقال لرجاله: إسألوا لطفى السيد جملة واحدة، هى: هل أنت ديمقراطي.. فإذا أجاب بنعم فهذا يعنى أنه يؤيد تعدد أزواج الزوجة.
وفى سرادق انتخابي وبينما لطفى السيد مندمج فى إلقاء خطابه وقف أحد الناخبين وسأله سؤالًا واحدًا هو: هل أنت ديمقراطي؟ ورد لطفى السيد وقال بكل حزم: نعم أنا ديمقراطى.. فصرخ السائل قائلًا: استغفر الله العظيم.. وشاع فى الدائرة أن لطفى السيد ـ هذا الديمقراطى الأكبر فى مصر- يؤيد تعدد أزواج الزوجة، وهذا بالطبع ضد مبادئ الاسلام الاساسية وأمام صناديق التصويت صوتوا لمنافسه وهم يقولون كيف ننتخب رجلًا يخالف الشريعة الاسلامية وكانت النتيجة أن سقط لطفى السيد وراح ضحية خبث وذكاء منافسة فى المعركة الانتخابية.
أقول ذلك وأنا أتابع المشهد العربى من المحيط للخليج والكثير من دول العالم الثالث.. فالمسألة ليست تدخل القوى الأجنبية هنا وهناك للدفاع عن مصالحها التي قد تصل إلى حد تدمير هذا البلد أو ذاك -وهو موجود- والمسألة ليست أصحاب المصالح في الداخل هنا وهناك ومن الانتهازيين واللصوص والبلطجية.. الخ ممن تلاقت مصالحهم مع أعداء بلادهم، حتى مع بعض الاختلافات الطفيفة -وهو موجود-.
لكن المشكلة الأكبر في الشعوب ومدى إيمانها بالديمقراطية قولا وفعلا، وهذا لا يتأتى بين لحظة وأخرى لكنها تتحقق نتاج سنوات عديدة من التعليم والتثقيف السياسي لآن الأمية والجهل أرض خصبة لأصحاب الوعود المعسولة أو حتى بزجاجة زيت وكيلو سكر !!
yousrielsaid@yahoo.com