الحكومة ضد الرئيس
منذ قليل وأثناء افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسى للعديد من مشروعات التنمية والإسكان في محافظة أسيوط قال الرئيس إن التهام الأرض الزراعية خطر كبير على مستقبل مصر وسكانها وأن هذه الأرض الزراعية لا يمكن تعويضها وأى إضافة في الصحراء لمثلها يتكلف المئات من المليارات من الجنيهات، وأن الأرض الريفية توفر فرص عمل حتى ولو كانت قليلة ولكنها تعفى الدولة من إيجادها إذا فقدنا الأرض الزراعية في مشروعات إسكانية في الأحوزة العمرانية.
إذا أخذنا رؤية الرئيس الواقعية والمنطقية نجد هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام يفعل عكسها تماما في الصناعة في تصفية مجمع الحديد والصلب في حلوان بعد قراره تغيير استخدام أراضي شركة الحديد والصلب التي تم تصفيتها من الاستخدام الصناعى إلى العقاري، لرفع ثمنها وقيمتها بشكل كبير جدا على حد قوله، لأن قرار تغيير الاستخدام يشمل حاليا عمل تقييم للأرض التي تعادل مساحتها مدينة الشيخ زايد، وكل جزء سيتم تقييمه بالسعر المناسب له، ثم يتم طرحها في مزادات عامة.. إنتهى "كلام وفعل" الوزير.
تصفية الحديد والصلب
يعنى سيتم تغيير أرض أنشطة صناعية وما بها من منشأت حتى وإن كانت متهالكة إلى أرض فضاء لبناء عمارات سكنية، ومن جهة ثانية سيفقد أكثر من 7114 مواطن لوظائفهم، وبالتالى يرتفع معدل البطالة وبالتبعية سيزيد التضخم، وحتى لو تم تعويضهم فسوف يبحثون عن فرص عمل جديدة ياخذونها من المتاح أمام غيرهم، أما إذا أرادت الدولة خلق 7 آلاف فرصة عمل جديدة فكم ستتكلف الدولة كما سأل الرئيس في أسيوط؟
يعنى الرئيس يطالب بالحفاظ على فرص عمل الفلاحين في أراضي زراعية حتى وإن كانت قليلة وفقيرة لآن فقدها يعنى الكثير للدولة، ووزير قطاع الأعمال بجرة قلم يسرح 7.5 آلاف عامل .
ثانيا، فإن إنشاء المدن السكنية الجديدة على أرض في مساحة مدينة الشيخ زايد ألا يتطلب ذلك مرافق إضافية جديدة من الكهرباء والمياه والتليفونات والطرق.. الخ من الخدمات.. فكم ستتكلف؟ وهل لو تم توجيه هذه التكلفة لإعادة الروح لمصنع الحديد والصلب أكبر قلعة صناعية في الشرق الأوسط بالإضافة لدلالة ذلك على الأمن القومي المصري والصناعة المصرية -ولن أتكلم عن المزيد فذلك معروف للجميع- ألا يكون ذلك هو المفيد.
ثالثا، المسألة ليست خسائر ولا يحزنون كما يقول وزير قطاع الأعمال ولكن ضعف قدرات وخيال وزير قطاع الأعمال ومعاونوه لإقامة صناعة مصرية وليس تصفيتها، فالسؤال هنا ماذا سيتبقى للوزير ووزارته لإدارته إذا تم تصفية كل مصانع القطاع العام.. يعنى بصراحة هناك عدم إدراك من الوزير لطبيعة الوظيفة المهمة الموكلة للوزراة، إلا إذا كان هدفها بيع مصانع القطاع العام وأنا أشك في ذلك.
رابعا، أن يتم قرار تصفية الحديد والصلب بعد إعلان الحكومة من قبل عن اعتزامها تطوير الشركات العامة أمر غير مفهوم، يعنى أسمع كلام الحكومة أصدقه وأشوف أمور وزير قطاع الأعمال أستعجب.
خامسا: موضة خسائر الشركة أصبحت إسطوانة مشروخة والرد عليها مكرر وممل بأن السبب هو من عينوا قيادة هذه الشركات وتركوهم في أماكنهم مستمرين في "تخريد" مصانع القطاع العام أى تحويلها لخردة لتصبح "لقمة سهلة" للتصفية والبيع.
سادسا، الحل ببساطة هو إعادة بناء هذه المصانع من جديد في أماكنها وعلى أراضيها التي لا تعوض وموقعها الذى يستلزم الكثير لو قررنا إقامة بديل عنه في الصحراء من إنشاء مساكن للعاملين ومدارس ومستشفيات.. الخ من خدمات تتكلف أموال طائلة نحن في أشد الحاجة إليها الآن.. نفعل ذلك وأمامنا الحل السهل والأيسر بإعادة تجهيز هذه المصانع بآلات جديدة عصرية واختيار قيادات تعمل لتحقيق الأرباح وتحقيق الأهداف وليس المكافآت والعمولات والبدلات، فضلا عن تدريب العمالة بصفة مستمرة.
حماية الصناعة الوطنية
سابعا، أطرح نفس السؤال الممل والمكرر.. لماذا تكسب شركات الحديد في القطاع الخاص في حين كانت الحديد والصلب في حلوان تخسر، لماذا نغفل السياسات والقرارات الاقتصادية الخاطئة التي زادت من مشكلة الشركة، نحن لا نناقش هنا أسباب خسائر الشركة، ولكن نوضح أن خبرة عمال الشركات الحكومة بعد تسريبها أو فصلها بعد اكتسابها خبرات كبيرة كانت السبب في نجاح الشركات الخاصة.
ثامنا، السؤال الذى يعرف إجابته طالب الابتدائى هل تحتاج مصر لهذا النوع من الصناعة الاستراتيجية الثقيلة، أم يمكننا استبدالها بالاستيراد، يعنى هل يؤدى الإستغناء عنها بالكامل إلى عدم تهديد مستقبل الصناعة الوطنية؟
تاسعا، تتوارد الأسئلة معروفة الإجابة مسبقا.. هل إفلاس مصنع وتهالك معداته وتدهور إنتاجيته تعتبر مبررات قوية وكافية لتصفيته في حد ذاتها، أم يكون السؤال الأعم هل النشاط بأكمله لم يعد مطلوبا؟ فهل البديل العصرى يتعارض مع مستقبل التصنيع المصرى وفى مقدمته هذا النوع من الإنتاج الثقيل الذى تفرض عليه بعض الدول رسوم حماية ضد الإغراق لحماية تلك المنتجات من المثيل الأجنبى.
عاشرا، ماذا سنفعل بكميات خام الحديد الضخمة لدينا هل سنصدرها خام بملاليم أم نتركها في مكانها خاصة ومعظم مصانع القطاع الخاص يعمل على الخامات المصنعة المستوردة مثل البليت. وهل سيتوقف قطار الخصخصة عند محطة الحديد والصلب ام سيواصل التوقف في محطات تالية، أولها محطة مصنع فحم الكوك والكثير من المنشأت الأخرى التي تعتمد في وجودها على مصنع الحديد والصلب.
لا أعتقد إن توفير 10 مليارات جنيه مشكلة أبدا لإعادة الروح لمصنع الحديد والصلب لكنها الإرادة التى يفتقدها الكثيرون ويتخذون -مع حسن النية طبعا- القرار السهل وهو قتل المريض بدلا من علاجه، وبعد ذلك يسرعون في دفنه بـ"ليل" لأن إكرام الميت دفنه.
وأقصد بذلك سرعة عرض الأرض للمزاد وبأسعار أقل من ثلث السعر في الأراضى المشابهة بالمنطقة، يعنى بنبيع عفش البيت من أجل ملاليم ولا يهم أن ننام بعدها على الأرض بدلا من إجهاد العقل بصناعة سنارة والتدرب على الصيد والذهاب أى مكان به سمك، يقتصر كل جهدنا في وجبة سمك، وكمان وجبة فقيرة!
yousrielsaid@yahoo.com