إحالة ميت للمحاكمة
نُخطئ أحيانًا، ونصيب أحيانًا أخرى، ويبقى الثواب على الإحسان، والعقاب على الإساءة سيفًا مسلطًا بيد كل مسئول، ليُحقق ما يراه من وجهة نظره، العدل والحق والانضباط، ولكن هناك حدا يقف عنده المرء، فلا يرتكب صوابًا ولا خطأً، ويتوقف كل مسئول عن الثواب والعقاب، ولم يُحدثنا التاريخ أن أحدًا من الأسوياء فعل غير ذلك، وحدثنا عن بشاعة من مثلوا بجثث اعدائهم بعد موتهم، أو تعرضوا لذويهم بالأذى، في محاولةٍ للتشفي منهم، ومن هذا المنطلق قرر قانون الخدمة المدنية في المادة ٦٦ أنه:
لا يمنع انتهاء خدمة الموظف لأي سبب من الأسباب عدا الوفاة، من محاكمته تأديبيًا إذا كان قد بُدئ في التحقيق قبل انتهاء مدة خدمته، أي أنه جعل من الوفاة سببًا وحيدًا لعدم الإحالة للمحاكمة، رغم أن بعض حالات انتهاء الخدمة قد يستحيل معها توقيع جزاء على المخالف، وهنا كان لا بد لنا من وقفة مع حالة غير مسبوقة، فماذا حدث؟
أقامت النيابة الإدارية القضية رقم 94 لسنة 63 قضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا، بتاريخ 18 أبريل 2021، مشتملة على ملف التحقيقات في القضية رقم 1179 لسنة 2019 نيابة النقل "القسم الأول"، وتقرير إتهام ضد كل من 1ـ........ 2ـ........ 3ـ........ 4ـ....... 5ـ.........، لا يمنع انتهاء خدمة الموظف لأي سبب من الأسباب عدا الوفاة، من محاكمته تأديبيًا إذا كان قد بُدئ في التحقيق قبل انتهاء مدة خدمته، أي أنه جعل من الوفاة سببًا وحيدًا لعدم الإحالة للمحاكمة.
قانون مجلس الدولة
وقالت المحكمة عبر أسباب حكمها إن المادة (34) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن: تقام الدعوى التأديبية من النيابة الإدارية بإيداع أوراق التحقيق وقرار الإحالة قلم كتاب المحكمة المختصة، ويجب أن يتضمن القرار المذكور بيانًا بأسماء العاملين وفئاتهم والمخالفات المنسوبة إليهم ويكون الإعلان في محل إقامة المعلن إليه أو في محل عمله.
ومن المقرر أن الخصومة القضائية إنما هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الإدعاء لدى القضاء أو بالالتجاء إليه بوسيلة الدعوى أو الطعن، وقد حدد القانون إجراءات التقدم بهذا الادعاء الذى ينبني عليه انعقاد الخصومة، وهي التي تقوم على اتصال المدعى بالمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى أو الطعن وتكليف المدعى عليه أو المطعون ضده بالمثول أمامها لكونها علاقة بين طرفيها من جهة وبينهما وبين القضاء من جهة أخرى.
فإذا لم تكن ثمة دعوة من أحد الطرفين للآخر إلى التلاقي أمام القضاء، أو لم يكن لأحد الخصمين أو كليهما وجود فلا تنشأ الخصومة القضائية ولا تنعقد، إذ إن الخصومة لا تقوم إلا بين طرفين من الأحياء، فلا يصح اختصام ميت، ولا تنعقد الخصومة في مواجهته، ويترتب على اختصامه بطلان صحيفة الدعوى أو تقرير الطعن.
الخصومة القضائية
وبناء على ما تقدم، ولما كان الثابت بالأوراق أن المحال الرابع (.........)، قد توفي إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 8 يونيه 2020، أي في تاريخ سابق على إيداع أوراق الدعوى الماثلة في 18 إبريل 2021، فأقيمت والحال كذلك ضد من لم يعد له وجود، غير منعقدة في مواجهته الخصومة القضائية من الأساس، مما يبطل قرار إحالته إلى المحاكمة، وهو ما تقضي به المحكمة في شأنه.
وإذ تبين بالأوراق أن المحال الرابع قبل وفاته إلى رحمة الله وبوصفه المسئول عن ملف المناقصة محل التعاقد بين الهيئة محل عمله والشركة المذكورة، قد أرسل بتاريخ 17 مايو 2017 كتابًا موصي عليه بعلم الوصول إلى تلك الشركة بما يفيد تخفيض نسبة (25%) من الكمية الواردة بالبند الثاني من أمر التوريد، وذلك بناء على قرار رئيس الإدارة المركزية للعقود والمشتريات بالهيئة، وقد إرتد إشعار علم الوصول إلى المحالة الثالثة غير مرفق به الكتاب المرسل، ونظرا لتغيب المحال الرابع قبل وفاته إلى رحمة الله عن محل عمله فقد قيدت المحالة الثالثة هذا الإشعار بسجلاتها، ثم سلمته إليه بعد عودته إلى عمله.
تقرير الاتهام
وفضلا عما تقدم، وبناء عليه، فإنه لا محاجة على المحال الرابع بما نُسب إليه بتقرير الاتهام الماثل مع الوضع في الاعتبار وفاته إلى رحمة الله تعالى قبل إصدار هذا الحكم، إلا أنه تعين على المحكمة تناول الاتهام المسند إليه فصلًا فيما هو منسوب للمحال الخامس ارتباطًا به، ذلك أنه وفقا لما سلف بيانه فقد ورده إشعار وصول الكتاب المسجل، فلم يكن الأمر متطلبًا بالضرورة رجوعه تارة أخرى لمكتب البريد المختص وإعادة إرسال الكتاب للشركة.
وإلا فقد كان لزامًا إستيفاء التحقيقات ذلك الأمر بطلب إفادة رسمية من هيئة البريد حول تسلم الشركة هذا الكتاب من عدمه وسبب وصول إشعار استلام لهذا المحال دون أن يصحبه الكتاب المسجل، مما لا يقيم في شأنه إهمالا أو تقصيرا، ومن ثم فلا محل لقول بإهمال المحال الخامس في الإشراف على أعماله في هذا الشأن.
ولهذه الأسباب أصدرت المحكمة حكمها أولا: بعدم قبول الدعوى في شأن المحال الرابع (....) لبطلان قرار الإحالة لوفاته قبل إقامة الدعوى، وثانيًا: ببراءة باقي المحالين.. وللحديث بقية.