هل يسيطر المختلون على التأمين الصحي؟
ما زلنا فى مسلسل كشف بؤر السرطان الذى يضرب المصريين فى أغلى ما لديهم، ونشير إلى حالات الإهمال القاتل مع الاستهتار التام بصحة المصريين فيما يُسمى بالتأمين الصحى، ولن نقف عند عيادات التأمين الصحى التى ذكرناها بشبرا وشبرد والمعادى والمنصورة، بل نستعرض أنواعا مختلفة من الفساد المالى والإدارى والأخلاقى.
ونجد المواطن البسيط المنتفع بشكل دورى بخدمات التأمين الصحى إذا أصبح فلا ينتظر المساء، وإذا أمسى فلا ينتظر الصباح، وذلك بسبب انعدام الضمير لدى بعض القائمين على تلك العيادات، ولك أن تتخيل عزيزى القارئ عندما يتوجه المريض المُسِن إلى العيادة ويرفض الطبيب توقيع الكشف عليه لأن عدد الحالات المحدد قد اكتمل.
فإلى أين يذهب هذا المريض، وماذا لو أنه حضر قبل ذلك الموعد، ستكون النتيجة استبعاد مريض آخر، وكأن توقيع الكشف الطبى هو منحة من الطبيب، ويؤيده فى ذلك مدير العيادة، وعلى المريض أن يأتى بعد يومين أو ثلاثة فى الموعد الجديد، وبالطبع سيحضر مبكرًا ليستبعد الطبيب مرضى آخرين لاكتمال العدد، وهكذا، وتتدهور صحة المنتفعين، ويبقى الإرهاب الصحى سيد الموقف.
الأمراض المزمنة
ويدرك القارئ، أن كان من مرتادى عيادات الإرهاب الصحى، سبب اختفاء الشباب من تلك العيادات، فالأمر لا يتعلق بأن الشباب أصحاء، بل يتعلق بالأمل الذى يتطلعون إليه، فيتكبدون من الأموال ما يحفظون به أرواحهم، أما أصحاب الأمراض المزمنة من كبار السن فقد وطدوا أنفسهم على التعايش مع الفساد كما يتعايشون مع الضغط أو السكر، ويقبلون صرف الدواء دون توقيع الكشف الطبي.
وإن لم تكن أيها القارئ من رواد تلك العيادات، فهنيئًا لك وندعو الله أن يُمتعك بالصحة والعافية، وقبل أن تدمع عيناك لحال هؤلاء المساكين فى هذه العيادات، وهم يعانون من القتل البطيء، وأزيدك من الشعر بيتًا، فأحدثك عن بعض الجرائم العمدية التى توجب الإحالة إلى محكمة الجنايات، ولكن فى هيئة الإرهاب الصحى تُوجب الترقية.
وفى رحلة الفساد نجد مثالًا بسيطًا للجرائم الجنائية، مثل التزوير ونوجز تلك الوقائع فى أن بعض الموظفين الفاسدين فى الجهاز الإدارى، عندما يتم إبعادهم عن أماكن عملهم لصالح العمل، ولأنهم يعرفون الطريق المباشر للفساد، فإنهم يحصلون من التأمين الصحى على إجازات مرضية، وتتجدد لحين تسوية أمورهم مع الفاسدين فى جهات عملهم.
شمس الشرفاء
ولا بد أن نؤكد أن وسط غيوم الفساد تُشرق شمس الشرفاء، الذين يفطنون إلى ذلك العبث، وتجد أن هذه الإجازات الوهمية تكون بأجر كامل، كما أن تشخيص الحالة يكون مرضًا ذهنيًا، وأن شئت معرفة باقى التفاصيل، فالعنوان معروف: عيادتى ابن سندر، ومصر الجديدة، وبالطبع فإن هذا التزوير الذى يترتب عليه صرف مبالغ مالية دون وجه حق لا يتم إلا عن طريق الرشوة، فى هيئة تتفاخر بتحقيق أرباح بالمليارات، وبالتالى فلا بد أن تنهمر الحوافز والمكافآت.
ومن بين تلك الوقائع ما تضمنته أوراق إحدى قضايا النيابة الإدارية فيما تضمنته من أن بعض المسئولين بالتأمين الصحى (عيادتى ابن سندر، ومصر الجديدة) خالفوا قرار وزير الصحة رقم 253 لسنة 1974 بشأن القومسيونات الطبية والذى نص بالمادة 19 على أنه: فى جميع الأحوال التى يرسل فيها للقومسيون الطبى عامل مصاب أو مشتبه فى إصابته بمرض عقلى يجب على الجهة التابع لها العامل أن ترفق بالأوراق تقريرًا تفصيليًا من الرئيس المباشر لهذا العامل مبينًا به الأسباب والظروف التى دعت إلى تحويله للكشف الطبى عليه، وكذا الأقوال والأفعال التى تكون قد صدرت منه.
قرار وزاري
ويأتى ذلك رغم أن المادة 21 من القرار الوزارى تنص على أنه: فى جميع الأحوال التى يمنح فيها العامل إجازة مرضية بسبب إصابته بمرض عقلى يجب قبل عودته إلى عمله أن يعرض على القومسيون الطبى المختص لتقرير حالته العقلية، وهو ما لم يحدث فى (عيادتى ابن سندر، ومصر الجديدة).
ورغم ذلك لا يتم مخاطبة الجهات الإدارية من قبل اللجنة الطبية المختصة حتى يتسنى للجهة الإدارية إيداع تقرير تفصيلى من الرئيس المباشر للعامل مبينًا به أسباب وظروف تحويله للكشف عليه وما صدر عنه من أقوال أو أفعال طبقًا لنص المادة 19 من القرار الوزارى، وبحوزة كاتب هذه السطور جميع المستندات والإجازات الممنوحة بالمخالفة للقانون والقرارات الوزارية.
بل إنه يتم العرض على أخصائى الأمراض العصبية وعلى اللجان الطبية فى سرية تامة بدون لفت نظر الجهة الإدارية إلى أن البحث فى حالة المعروض أمرهم كان لأمراض عقلية حتى يتسنى للجهة الإدارية كشف الملابسات والظروف التى أدت إلى إصابة العامل بذلك المرض ومن ثم مساعدة اللجنة الطبية فى إصدار القرار الملائم والمناسب.
وللحديث بقية..