هل تمسح المحكمة الدستورية دموع رشوان توفيق؟ (2)
ها نحن على وشك أن نطوي صفحة من صفحات عقوق الأبناء والأحفاد، نتعلم منها درسًا، ونتعلم من حكم المحكمة الدستورية العليا دروسًا تضع النقاط فوق الحروف، وتُصحح للمجتمع أفكاره، وتضبط بوصلته من خلال قيمه وتقاليده، وتاريخه الحافل، وتكاد صفحة خلاف الفنان القدير رشوان توفيق أن تُطوى بعد مبادرات صُلح اشترط فيها قبول القسمة التي قسمها، وإلا تدخل القضاء العادل ليقول كلمته، فماذا قالت المحكمة الدستورية في مثل هذه الوقائع، وكيف فصلت في هذا النوع من المنازعات.
نص البند "هــ" من المادة (502) من القانون المدني، فيما تضمنه من اعتبار الهبة لذى رحم محرم مانعًا من الرجوع فى الهبة، وإن وقع فى دائرة الإجتهاد المباح شرعًا لولي الأمر، إلا أنه يجعل الوالد الواهب في حرج شديد، ويرهقه من أمره عسرًا، ويعرضه لمذلة الحاجة بعد أن بلغ من العمر عتيّا، إذا ما ألمت به ظروف أحوجته لاسترداد المال الموهوب، وأمتنع الإبن عن إقالته من الهبة، إضرارًا به، مستغلًا في ذلك المانع الوارد بالنص المطعون فيه، الذي يحول بين الوالد والحصول على ترخيص من القضاء بالرجوع فى الهبة، ضاربًا عرض الحائط بالواجب الشرعي لبر الوالدين، والإحسان إليهما، وصلتهما، وطاعتهما فى غير معصية، والامتناع عن كل ما يفضى إلى قطيعتهما
وما توخاه المشرع من ذلك المانع، بالحفاظ على صلة الأرحام، ينافيه مواجهة حالة حجود الأبناء، وعقوقهم لوالديهم، ومن ثم يكون منع القضاء من الترخيص للوالد بالرجوع فى هبته لولده، ولو كان هناك عذر يبيح له ذلك، مصادمًا لضوابط الإجتهاد والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، ومخالفًا نص المادة (2) من الدستور، الأمر الذي يضحى معه النص المطعون عليه، فيما تضمنه من رفض طلب رجوع الوالد فى هبته لولده، إذا وجد مانع، مخالفًــا أيضًا نصى المادتين (10، 92) من الدستور.
الواهب لولده
وبإخلال النص بحق الواهب لولده، دون غيره من الواهبين لغير ذي رحم محرم، في الحصول على ترخيص من القضاء بالرجوع فى الهبة عند توافر العذر، فإن ما نص عليه الدستور في المادة (97) مؤداه أن قصر مباشرة حق التقاضي على فئة من بينهم أو الحرمان منه فى أحوال بذاتها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، إنما يُعد عملًا مخالفًا للدستور الذى لم يجز إلا تنظيم هذا الحق، وجعل الكافة سواء فى الارتكان إليه، ومن ثم، فإن غلق أبوابه دون أحدهم أو فريق منهم، إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس بقاء العدوان على الحقوق التى يطلبونها.
وكان الواهبون لأموالهم على اختلاف حالاتهم وأغراضهم منها، في مركز قانوني متكافئ، وقد أجاز المشـرع للواهب الرجوع فى الهبة إذا ألمت به ظروف وأعذار تستدعي هذا الرجوع، وأمتنع الموهوب له عن إقالته من الهبة، وأناط المشرع بالقاضي سلطة تقديرية في شأن بحث جدية الأعذار التي يبديها الواهب في هذا الشأن، ويقضي على ضوء ذلك.
الرجوع فى الهبة
إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل، وأورد حالات لمنع الرجوع فى الهبة، ضمنها نص المادة (502) من القانون المدنى، من بينها هبة الوالد لولده، مانعًا القضاء من بحث الأعذار التى يسوقها الوالد فى هذا الشأن، الأمر الذى يحول بينه والحصول على الترضية القضائية، لمجرد توافر هذه القرابة بينه والموهوب له.
والغاية التى توخاها المشرع من ذلك المنع، وهي الحفاظ على صلة الرحم، لم يراع فيها مواجهة عقوق الإبن الموهوب له، إذ امتنع طواعية عن إقالة والده من الهبة في هذه الحالة، بما يزكي هذا العقوق، حال أن المشرع أجاز في المادة (501) من القانون المدني الترخيص للواهب بالرجوع في الهبة إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب أو أحد أقاربه، بحيث يكون هذا الإخلال جحودًا كبيرًا من جانبه.
ومؤدى ذلك أن المانع الوارد بالنص المطعون فيه، فضلًا عن عدم إرتباط الوسيلة التي أوردها في ذلك النص، بالغاية المتوخاة منها، فإنه يخل بمبدأ المساواة بين الواهبين المتماثلة مراكزهم في الحصول على الترضية القضائية، وذلك لغير سبب موضوعي، بالمخالفة لنصي المادتين (53، 97) من الدستور، ولهذه الأسباب قضت المحكمة بعدم دستورية نص البند (هــ) من المادة (502) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948، في مجال سريانها على هبة أى من الوالدين لولده.. وللحديث بقية