سهير البابلي.. جميلة الروح والخلق
لم يكن من فراغ تصدر الفنانة الكبيرة الراحلة سهير البابلي، تريند الميديا في كثير من الدول لا مصر فحسب، وبمجرد إعلان نبأ وفاتها تصدر اسمها المنصات وظل تريند ليومين، الجميع ينعاها ويستذكر مآثرها وجمال روحها وبشاشتها وخلقها الرفيع، ورغم ابتعادها سنوات طويلة عن التمثيل، إلا أن المنصات غصت بصور ومشاهد من أعمالها كانت الغلبة فيها لمقاطع من مقابلاتها تسرد فيها مواقف مؤثرة في حياتها، وتكشف معها مدى الصدق الذي تتحلى به، وتفردها بخفة ظل حباها بها الله، لا تغيب عنها في أكثر اللحظات جدية.
كان من بين المواقف المتداولة عن الفنانة سهير البابلي اعتزالها الفن لبناء شخصيتها دينيا ورغم جديتها أنهتها بفكاهة، وقالت "أحرص سنويا على أداء العمرة، وكنت أرفض أداء فريضة الحج إلا عندما أتحجب، وفي العمرة كان داخلي أمور متعبة، منها أجواء الفن والدخلاء عليه وأساليب لم أعتد عليها، فبكيت أثناء السجود في الحرم ودعوت الله أن يجعلني أكره المسرح، وفي خلال 6 شهور تركت المسرح بقرار شخصي، وأنا تمنيت كثيرا أن أموت على خشبته، والحمد لله الذي عافاني ولم أمت عليه، صدقوني لو كنت مت على المسرح كان هيبقى مقلب كبير قوي".
اعتزال والتزام
وتروي الفنانة سهير البابلي، موقف أثر بها كثيرا مع الشيخ الشعراوي، قائلة: "في الحج افترش الشيخ الشعراوي، الأرض وأجلسنا على الكراسي، ولما اعترضت على جلوسه أرضًا وهو شيخنا الجليل، قالي انت شيختنا لانك تركت شغلك من أجل التقرب إلى الله، انما نحن لم نترك شيئًا وتعلمنا من الكتاب أن نصبح مشايخ.. هذه الكلمة أثلجت صدري وزادتني قناعة بما أنا عليه".
لم تفارق الابتسامة وخفة الظل الفنانة الكبيرة الراحلة، وحافظت على بهجتها ومرحها بعد الاعتزال والالتزام، كما ظلت على عفويتها وبساطتها ولم تغال أو تبالغ في مظاهر التدين مثل أخريات، فهي لم ترتد النقاب ولم تقل أنها تفقهت وباتت داعية ولم تتبرأ من أعمالها ولم ترفض اللقاءات الإعلامية، ورغم أنها قصرت الحجاب في السنوات الأخيرة لكنها لم تتخل عنه وظلت ثابتة على قناعتها، بينما من بالغن في مظاهر الالتزام والتدين، تخلصت بعضهن من النقاب وبدأت الأخريات تخفيف الحجاب وتقصيره إلى أن تخلصن منه تماما.
خفة ظل ومرح الفنانة سهير البابلي وبشاشتها الدائمة، لم تمنعها من أن تكون ملتزمة في كل شئ من البداية وحتى بعد اعتزالها، فهي دقيقة جدا في مواعيدها وتتحلى بجدية تامة في العمل، وحتى في الارتجال على المسرح وفي مسيرتها، لم تتفوه بكلمة خارجة أو مبتذلة بل كانت "الإفيهات" محترمة ومضحكة لأبعد حد، لأنها إنسانة على خلق رفيع ولديها رسالة قائمة على المتعة والبهجة والاحترام، ربما نتيجة نشأتها في منزل تربوي، فوالدها كان مدرسا ثم ناظرا لمدرسة ثانوية عسكرية، وتجلت جدية البابلي في جمعها بين الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، ومعهد الموسيقى في الوقت نفسه.
لحظة الوفاة
تمتلك الفنانة الكبيرة الراحلة، مسيرة طويلة تركت من خلالها بصمة فنية لا تمحى، بأعمال مسرحية كوميدية وسياسية جعلتها نجمة المسرح السياسي بلا منازع، فضلا عن أفلام السينما ودراما التلفزيون، ورغم انتقادها الدائم لأحوال البلد وقضاياها في عروضها السياسية، لكنها كانت من عشاق مصر، وهو ما أكده زوج ابنتها حين تحدث عن الساعات الأخيرة في حياتها ووصيتها قائلا "تحسنت حالة الفنانة سهير البابلي كثيرا وأفاقت من الغيبوبة، وتحدثت مع ابنتها، وأوصتها بقراءة القرآن باستمرار، وألا تتركه أبدا، وألا تقطع المساعدات التي تخصصها شهريًا للفقراء، كما أوصتنا بمصر والحفاظ عليها مع الرئيس عبدالفتاح السيسي لأنه مخلص ويشتغل بقلب، ثم ظلت تردد الشهادتين وعلى وجهها ابتسامة الرضا".
شاء القدر أن ترحل الفنانة سهير البابلي في الشهر نفسه الذي توفيت فيه الفنانة الكبيرة شادية، التي شاركتها مسرحية "ريا وسكينة" وكلاهما تركت الفن رغم الشهرة الطاغية واختارت الاعتزال والالتزام الديني، كما لحقت بزوجها الأسبق الفنان أحمد خليل، دون أن تعرف بوفاته، إذ خافت عليها ابنتها من الصدمة وهي ترقد في المستشفى، وقد تداولت "الميديا" فور وفاة الفنانة الكبيرة، مقطع فيديو للفنان أحمد خليل، يتحدث فيه عن علاقتهما العميقة التي لم تنقطع رغم الطلاق، مؤكدا روعة شخصيتها وتفردها، وقال "التقينا في عمل فني وتعاملت معي بحدة فلم أقبل، وحدثت بيننا مشادة، لكننا تزوجا بعد نهاية العمل، هي كانت نجمة وأنا كنت ممثلا صغيرا، وأردت أن أشعرها بصفة مستمرة أني الرجل فلم تتحمل حدة طباعي وانفصلنا، ورغم الطلاق ظلت علاقتنا الإنسانية مستمرة دون انقطاع.. تزوجنا في لحظة بدون قصة حب طويلة، وانفصلنا وبقينا أصدقاء".