لا هاني ولا نجيب.. بل أنتم !
المعركة بين السمو والسفالة، هي فصل متجدد، متناسل، في الحرب الأبدية منذ الخليقة، بين إبليس ودعاة الاصلاح، أنبياء وأولياء، ومفكرين. من هذا المنظور، ينبغى رد كل الأعراض الاجتماعية الجارية في صفوف المصريين، إلى حتمية التطور، فالتراجع، فالتطور، تلك الدورة المتكررة. هذه الحتمية تنهض على المراجعة التى ينهض بها ضمير المجتمع، ليقاوم أو يساند ظاهرة، أو عرضا، لمرض، أو لفكرة جديدة.
تقريبا، منذ أربعة أيام، يعيش المصريون في انقسام دورى، بين الغناء والغثاء. والأسبوع الماضي عاشوا منقسمين في فتنة أهداف الأهلي في مرمى الزمالك، والأسبوع الذي قبله، انقسموا حول أي شيء وأي حاجة. هل هذا طبيعي ؟ الانقسام والاختلاف سنة الحياة، والأذواق تتباين والآراء المعززة للانحياز نحو تذوق فنى معين، تقاتل عادة لإثبات جدارة رؤيتها، وعمق بصيرتها. فى هذا السياق، يمكن فهم المعركة الدائرة بسبب قرار نقابة الموسيقيين بحظر الغناء علي ١٩مغن مهرجانات.
الرأى الصحيح
ناس شافوا القرار ظالما لأنه يقطع عيش شبان وفرق موسيقية تعمل وتجذب عشرات ومئات الألوف من الشباب، وناس شافوا أن المحتوى سقيم وعليل وفاسد ومفسد وبذيء.
وارتفعت حدة الانقسام بعد التلاسن المحسوب بين النقيب المطرب الكبير هاني شاكر، ورجل الأعمال الكبير نجيب ساويرس. كلاهما له منطق وأسباب. نقابة الموسيقيين هي من يرخص للمغني وللموسيقي بالظهور العام وبث مفرداته من كلمات ومزيكا، وبالتالي فهي تسمح له بالمساهمة في تقديم فن المفروض أنه يرتقي بالمواطن، بل بالإنسان في أي مكان. نجيب ساويرس موقفه مؤسس على فكرة الحرية للمتذوق.. وأن السوق هي التى تقبل وهي التى تلفظ.
من صاحب الرأى الصحيح، ومن صاحب الرأي الخطأ؟ نعم السوق تحدد سعر السلعة والخدمة.. والفن خدمة، لكنه صناعة كاملة ذات رسالة، مثل السينما.. وعلينا ان نتساءل عن سر رواج أغاني المهرجين والمهرجانات، قبل أن نتشيع لهاني شاكر أو نجيب ساويرس؟ ويعود السؤال: من الصح ومن الغلط ؟
المجتمع المصرى حاليا هو الغلط. العيب في ذائقة الفن الحالية.. إنها معيبة وملتوية ومتدنية. خلت الساحة من الموهوبين، وأصحاب الثقافة العالية، وأبيحت وأتيحت فقط لأنصاف المواهب، وكاملي الانحطاط. قطاع ضخم في المجتمع لا يستوعب الأطلال ولا ليلي ونهاري ولا مداح القمر ولا حبيتك بالصيف، ولا مضناك جفاه مرقده، ولا لا تكذبي، ولا قولوا لعين الشمس ما تحماشي، ولا غريب يا زمان. عناوين وجدان الناس تغيرت.. وأذواقهم هبطت. حين ترتفع العقائر في الشوارع والشاشات بالسباب.. فلا تستغرب أن يتسابق الناس نحو المشاركة في الانحطاط، بترويج الهابط، واستساغة السافل..
هاني شاكر في ذاكرته ووجدانه الغناء العظيم.. وكلنا نشأنأ علي الآهات والأشواق وموسيقي السنباطى وعبد الوهاب وبليغ والشيخ زكريا.. وغيرهم دون إحصاء، وساويرس منحاز لفكرة الحرية والفرز..
هذه خلاصة المشهد.. وعنوانه الحقيقي: المجتمعات تختار، في فترات الانحطاط والفوضى والخروج من تحت الأنقاض، من يمثلها.. فإن استفاقت لفظت الغثاء واستبقت الغناء.
كيف تستيقظ الشعوب؟ بالفن؟ ليس بالفن وحده.. بعملية إصلاح اجتماعي شاملة: الفن والاعلام والدعوة.. والقدوة، وإيقاظ الحس النقدي الذي يستهجن ويستحسن. ما يحدث حاليا هو حالة ضمير يحاول أن يصحو..