قلم حسين وريشة نوح !
شهدت قاعة الفنان التشكيلي العظيم صلاح طاهر حدثا فنيا كبيرا ليلة أول أمس، وهو افتتاح معرض الفنان حسين نوح ، وسط حضور كثيف من النجوم والفنانين وكبار الشخصيات، منهم المستشار عدلي حسين، والنجوم خالد زكي وليلي علوى وحسين فهمى وإلهام شاهين والمخرج الكبير مجدي أبوعميرة والمبدعون أحمد صقر وهاني لاشين وعمر عبد العزيز، افتتحت المعرض السفيرة مشيرة خطاب، وحضرت وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبد الدايم وتفقدت اللوحات بأناة وإعجاب.
حسين نوح يرسم بالقلم كما يرسم بالريشة، كما يعزف المزيكا، وفي الفنون الثلاثة، الأدب والفن التشكيلي والفن الموسيقي، تجده مسيطرا علي أدواته.
معارض حسين نوح تضم لوحات موضوعها الأساسي الإنسان المصرى، البسيط، في الريف، لأن حسين نوح ابن البساطة، وابن القرية، وابن والدته رحمها الله، التى يدين لها بذائقة الفن والشعور والتعبير. الاضاءة الناجمة عن تباين الالوان مع جمال التفاصيل، تراها في احدى اللوحات، ثم يجذبك الأحمر الدامي إذا تناولت الفرشاة سرحة جسم فرسة، أو انسيابية جسد امرأة جعلها فرسة، ثم تكتسي الفرشاة بالحزن وتظلم حين يرسم حسين نوح وجها مصريا طحنته الأيام.
إبداع حسين نوح
في معرضه الحالي، ينتقل إبداع حسين نوح نقلة أعلى، فهو لا يغوص في رسم الملامح ولا التفاصيل، لا يهبط إلى القاع، يفتش ويدقق، بل إختار النظرة الكلية. تتسم النظرة الكلية عادة بأنها نتاج التأمل العميق، والحكمة، وإيجاد العلاقة بين الأشياء ومكونات الحياة اليومية.
حين تصور لقطة تفصيلية فأنت جزء من الحدث الجاري. حين تصور لقطة علوية للمشهد نفسه فإنك وسعت الرؤية ومنحت المتفرج زوايا عديدة يرى منها ما تراه وربما يتجاوزك.
تأملت لوحات بالمعرض، وبحكم إني قريب من أعمال حسين نوح التشكيلية، تزين جدران صالونه الثقافي الذي شهد سنوات من المناقشات الفنية والثقافية والوطنية، فإننى أستطيع ان أقرر أن حسين نوح مختلف في لوحات معرض هذا العام. ليس فقط في كلية النظرة، بل في الألوان وفي المحتوى. لماذا اقول أنه صاحب نظرة كلية هذه المرة؟ لآنه إرتفع عن تفاصيل الملامح وإختار الهيئة الانسانية في مجملها، إختار أن يرسم الإنسان. البشر. في حركتهم وفي جمودهم. في ضياعهم، وفي بحثهم عن الدفء. يلتمسونه في مجموعات تتحاضن. الأذرع ممتدة تحتض الأكتاف أو الصدور..
هنالك تيمة رئسسية رصدتها في عدد لا بأس به من لوحات هذا العام: المجموعات الآدمية بغض النظر عن جنسيتها، واللون الرمادي. هذا اللون لم يبلغ حد السواد، ولا حد النور والبياض.
إنه منطقة الحيرة، والارتباك، والتردد. بالضبط هي المنطقة التى يعيش فيها بالعذاب والخوف وعدم اليقين كل البشر.
هم حسين نوح هذه المرة ليس المواطن المصرى فحسب، بل الإنسان في عموم أراضيه وأزمنته.
اللون الأصفر الذهبي يسطع أحيانا كومضة تمنح البريق والألق، ويشحب أحيانا متدليا من أوراق شجرة تحتضر علي شط مياه شاحبة ومن بعيد بيوت في الزوال.
هذا حسين نوح حين يرسم، لكنه حين كتب تعاريج وشبورة وهرتلة، ما بين الرواية والمسرح، فإنك تستمتع بالتفاصيل المدهشة والملاحظات الذكية والتناقضات المضحكة.. مغموسة جميعها في قضية الاغتراب والوطن وهجوم المدن علي الريف.. وتزييف الإنسان.
تحية للفنان حسين نوح.. وتحية لكل من حضر تقديرا لأعمال تثرى الوجدان.