الجمهورية الجديدة (7).. أياد تهدم ما بنيناه
مجرد ملاحظات عابرة تلك التي نتناولها على هامش الجمهورية الجديدة، وهي في مجملها أيضًا مجرد أمثلة توضيحية عن حجم أعمال يتوافق مع عبارة الرئيس عندما قال "سأسلمكم بلد جديد".. أنا من المؤمنين أن الرئيس السيسي في كل خطاب لا بدَّ وأن يلقي برسائل غير مباشرة يدرك من يتفحصها أنه مقبل على أمر جلل أو على مشروع كبير أو قرار ستكون له آثار أكبر.
وفي مرات عدَّة يدخل الرئيس بشكل مباشر في الموضوع، وهو عندما يفعل ذلك إنما يريد أن يتفهم معاونوه أن هناك أمورًا يجب أن يكونوا فاعلين فيها دون انتظار التعليمات. فعلها الرئيس السيسي مؤخرا عندما أشار إلى ضرورة إنشاء خدمات على المحاور المرورية الجديدة والطرق التي شقت صحاري مصر، والمثير أنه ما من مصري مر على مثل هذه المحاور إلا وقال "طريق عظيم تنقصه الخدمات".
والسؤال: هل معاونو الرئيس السيسي لم يمروا على هذه الطرق؟ ألم يسمع واحد منهم مثل هذا التعليق؟ وما الذي منعه من المضي قدمًا قبل تعليمات الرئيس، فهو أمر محمود يضيف إلى المشروع مساحة من الكمال؟!
الأمثلة كثيرة في محافظات مصر على فكرة انتظار التعليمات.. محافظون متجمدون في مواقعهم.. شقت الطرق الحديثة محافظاتهم ونقلتهم إلى آفاق جديدة دون أن يتحرك واحد منهم باقتراح خدمي على هذه الطرق ليكمل الصورة.
فرق الهدم
المحافظ "أبو تعليمات" ليس وحده، فهناك الوزير "أبو تعليمات" والمحافظ والوزير بانتظارهم التعليمات إنما يمثلون فرق الهدم المرعبة لكل مشروع يكتمل بناؤه على أرض مصر.. إذا كنت من سكان العاصمة أو أي محافظة أخرى فإنك لا بدَّ وأنك اكتويت بنار مسؤول التعليمات.. مصر كلها متجمدة في انتظار التعليمات وإن لم تأت التعليمات فإن الأمور ستظل كما هي محلك سر.
الأغرب أن محافظين ووزراء يتفاخرون بأن التعليمات لم تصلهم، أو أن التعليمات التي وصلتهم قائمون على تنفيذها، لا يوجد وزير أو محافظ أو نائب وزير أو نائب محافظ سياسي يعرف قدر تحركه وإمكانيات منصبه. والسؤال: هل الجمهورية الجديدة قائمة على شخص الرئيس فقط؟ هل تتوقف المشروعات إذا انشغل الرئيس عنها بأمور أهم أو أكثر إلحاحًا؟ الإجابة للأسف: نعم.. كل شيء يتوقف إذا لم يباشره الرئيس بنفسه.
إن الذين يفتقدون الثقة بأنفسهم ويفتقدون القدرة على الابتكار واقتحام المشكلات والمشاركة الإيجابية الفعالة، إنما هم وقود الهدم في مشروع الدولة الجديدة. خذ مثلًا بسيطًا.. إذا كنت من محافظة الجيزة سترى عمالًا يهدمون في الأرصفة ويعيدون بناءها ثم سرعان ما يهدمونها وعمليات البناء والهدم لا مبرر لها لأنهم باختصار يهدمون أرصفة ويبتنون غيرها أسوأ منها ثم سرعان ما يهدمونها.
أيضًا سترى في كل ميدان خازوقًا اسمه تطوير الميادين.. تطوير يزرع من القبح ما لا يطاق.. يبنى ميدان ثم سرعان ما يهدم ويعاد بناؤه وفي كل مرة سترى أمامك منظرًا قبيحًا وقميئًا وقذرًا.. محافظة الجيزة بها واحدة من أقدم الجامعات في مصر تحظى بخبراء تجتذبهم الدول للاستعانة بخبراتهم، جامعة بها كلية للفنون الجميلة، ومع ذلك يسلم المحافظ نفسه لفئة من المفسدين ليعيثوا في الأرض فسادًا.
القصة مكررة في كل محافظات مصر، وهي بالمناسبة ليست مجرد رصيف أو ميدان؛ إنها قصة النهب العام في مصر.