الجمهورية الجديدة (5).. أولويات غائبة
اكتمل الجمع واشتعل النقاش عندما قال قائل: إن ما يحدث في مصر الآن معجزة بكل المقاييس وما كنا نتصور أن يكتمل البناء بهذا الشكل لولا وجود حاكم لديه إرادة حقيقية في إعادة مصر إلى المقدمة في محيطها.. جاء الصوت المناقض للفكرة من أقصى الشمال ليقول: ما حدث كان يجب أن يكون المرحلة الثانية من البناء وأن ما يحدث مجرد بناء في الحجر لن نجنى منه شيئا.
بدا الحوار مشدودا إلى أقصى درجات الشد، وبدا واضحا أن الخطأ في التعاطى مع مشروع “مصر الجديدة”، فلا يمكن أن نؤمن بمطلق في العمل الإنسانى، ولا يجوز أن نبدأ بنفى واقع تصل أعماله أطراف مصر.
ترتيب الأولويات
قال الأول إن ما حدث ويحدث من إنجازات في الإسكان والطرق والطاقة وإعادة هيكلة الدعم وحضور الدولة بعد غياب واقتحام المناطق غير الآمنة وبناء علاقات ومحاور وتحالفات جديدة تعدى مرحلة الإعجاز الحقيقي.. رد الثانى: وماذا سنجنى من أعلى ناطحة سحاب وأكبر تجمع سكنى وأعرض طريق وأطول طريق ولا يزال عدد تلاميذ الفصل المدرسى يفوق المائة تلميذ.. ما كان ينبغي لنا أن نبدأ بالحجر.. بناء البشر ثماره أبطأ ولكنها أعمق أثرا.
تدخل بين الطرفين ثالث ليقول: لا يمكن أن نبنى نقاشا حول أعمال كبيرة بنفيها، ولا يجوز أن نناقش مشروعا باعتباره الأفضل والأعظم والأكرم والأكثر نفعا دون غيره.. في مشروعات بناء الدول أنت بحاجة إلى جرأة وقرار وإرادة، وأيا كانت البداية فيجب أن نناقش الواقع الحاصل ونعظم من قدره ونحاول تعديل مساره لا أن نقف ضده أو نشوهه.
تلك هي معضلة ترتيب الأولويات، إذ أننا أمام فريقين أحدهما يرى أن افتتاح أكبر مجمع مدارس في العالم أجدى نفعا من تدشين أكبر بناية والآخر يرى أن مصر تكلست وتجمدت في مشروعات البنية التحتية إلى درجة خطيرة.. ويرى فريق الرفض أن بناء المستشفيات والمدارس والمصانع من شأنه أن يبنى بلدا قادرا على مواجهة الصعاب بتربية الإنسان علميا وصحيا واقتصاديا ومن بعد ذلك نشيد العمارات والطرق والمدن الجديدة.
أيا كان الموقف فنحن أمام واقع يغير من ملامح مصر إيجابا وسلبا، ولا بد من النقاش حول المراحل التي يجب أن تلي ما بنيناه.. من حق المجتمع أن يناقش مشروعه المستقبلي.
أتصور أن النقاش الذي طرحناه في السطور القليلة السابقة يكاد يكون قاسما مشتركا في حوارات المصريين، وأعتقد أن طرح القضايا الكبرى للنقاش المجتمعي يجب أن يكون من أولويات الجمهورية الجديدة.
غدا.. (أيادٍ تهدم ما بنيناه)