العبقري.. ووجع القلوب!
فى يوم من أيام الآحاد خرج الأب جون ديكنز يركض خلفه أطفاله الثمانية ليغادروا حيهم الفقير في لندن إلى حيث يعيش الأثرياء، يتأملون القصور الفخمة والبنايات الأنيقة، وتعانق عينا الصبى تشارلز أحد القصور. فيسأله الأب: ما رأيك يا تشارلز؟ فيرد الابن ونظراته لا تزال تمسح جوانب القصر: يا له من قصر جميل يا أبى. ويهمس الأب في إذن الصغير مسليا: ربما تسكن هذا القصر يوما ما بجهدك ومثابرتك.
وتنهَّد الصبى الذي لا يزال في الحادية عشرة من عمره، ولم يحلم هذا الصبي بأن ما قاله والده سوف يصبح حقيقة ذات يوم.. إذ تحقق لهذا الروائي الإنجليزي العظيم تشارلز ديكنز كل ما كان يصبو إليه من شهرة ومال وجاه حتى أصبح واحدًا من أساطين الأدب في العالم بحيث يصعب الحديث عن العباقرة دون ورود اسمه..
لكن هذا الأديب رغم كل ما تحقق له لم يستطع أن ينعم بالسعادة مع المرأة.. فله معها الكثير من الذكريات الحزينة.. إذ تعلق تشارلز ديكنز في بداية حياته بفتاة تدعى ماريا تقدم لخطبتها مرارًا وكانت في كل مرة تصده لفقره.. ووقع في هوى كاترين هوجارت التي كان يطمع فى زواجه منها لكن كاترين كانت تثور لدواعٍ تافهة وتنتابها ثورات مفاجئة ليس لها مبرر..
وكما تكون السعادة مع المرأة باعثًا للإبداع فإن شقاء شارلز ديكنز معها ربما شكل دافعًا تعويضيًّا لتفرغه لأدبه وفنه حتى الليلة الأخيرة التى انهارت فيها قواه وهو يؤدى دوره على المسرح بعد أن أرهق نفسه فى العمل لتكون آخر كلماته وهو يسقط: (إلى الأرض.. إلى الأرض). وسقط أرضًا.. فلما كان الصباح أسلم الروح.. ليشهد عام ١٨٧٠ رحيل تشارلز ديكنز هذا العبقري الذي ما زال اسمه يملأ الدنيا ويتردد فى جنباتها إلى اليوم.