الجمهورية الجديدة (2).. إزالات صادمة
كان المشهد مروعا وجديدا وصادما، بنايات كبيرة متراصة في شوارع ضيقة كما شرايين القرى القديمة، ورجال يمثلون الدولة في أوسع سلطاتها، ضباط وجرافات وبلدوزارات ومسئولون كبار.. بعد إخلاء البيوت إن كانت مسكونة، وتأمين الموقع، تزرع لفافات من الديناميت حول البناية، عيون تترقب وأخرى تبكى ورجال بأزياء رسمية.. لحظات وتسقط البناية كومة من التراب.
تستطيع أن ترى هذا المشهد على وجهين وكلاهما يحمل من الدوافع والمبررات ما يتوازى مع نقيضها فإن لم تكن تستوعب ما يجرى فلابد وأن تبكى على ثروة عقارية وضياع حقوق وإهدار لمصالح مواطنين.
تعالى معى نناقش بموضوعية مثالا صارخا عشته صحفيا صغيرا يحمل في يده كاميرا تسجل على فيلم من كوداك صورا لمشروعات إزالة منطقة ماسبيرو قديما أيام مبارك.
كنت مثل غيرى نلتقط صور الغلابة الذين تهددهم الحكومة بالطرد. كنا نصدر للجماهير جبروت الحكومة التي تطارد الخلق من أجل رجال الأعمال.. بعد التناول الإعلامى لمثل هذا المشهد تتراجع الحكومة ويظل سكان ماسبيرو في عششهم أو بيوتهم الطينية البسيطة، بعضهم يسكن تحت السلم وأسر كاملة تعيش في غرفة وضيعة.
القضاء على العشوائيات
كنا نساهم مثل غيرنا في ترسيخ فكرة التعايش مع العشوائيات وعدم المساس بها ولم تكن الحكومات المتعاقبة لديها مشروع محدد المعالم.. ساعدنا كثيرا في التأكيد على إدارة الفقر ليظل قابعا علي صدر الوطن كما هو بنفس مدخلاته ومخرجاته الاجتماعية.
في الأسبوع الماضي توقفت سيارتى بالصدفة أعلى كوبرى أكتوبر لعطل فنى أصابها على غير موعد، أطلقت ناظرى فيما يحدث بمنطقة ماسبيرو.. عمارات شاهقة تصعد للسماء وحسب المخطط سيكون مركزا حضاريا لامعا يضاف إلى نيل القاهرة.. يا الله.
الفارق هنا هو المساحة الشاسعة بين إدارة الفقر وإدارة الثروة. مايحدث هو إدراك واع لما تملكه تلك المنطقة الحيوية من إمكانات تدر على الدولة عوائد كبيرة. قد يقول قائل إن الفارق هو المساحة بين التعامل مع الفقراء باعتبارهم أصحاب حق والأغنياء الذين ينتظرون مطاردة الفقراء وفي هذا القول مجافاة للحقيقة.
مثلث ماسبيروقبل المشروع الواعد الآن كانت منطقة عشوائية يموت أهلها كل يوم مئات المرات فلا بيوتهم آدمية ولا هم يعيشون في أمان.. تعويضهم بمساكن تليق بهم كبشر أو تعويضهم ماليا بما يمكنهم من العيش في بيوت آدمية هو عين الصواب وإخلاء المنطقة من العشوائية والمرض والفوضى إضافة للدولة.
غدا.. إزالة كوليسترول شرايين القاهرة