حقيقة ستدركها يومًا ما!
فى قديم الزمان كان هناك شاب ثري ثراءً عظيمًا، وكان والده يعمل بتجارة الجواهر والياقوت، وكان الشاب يؤثر على أصدقائه أيما إيثار وهم بدورهم يجلّونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له.. ودارت الأيام دورتها ويموت الوالد وتفتقر العائلة افتقارًا شديدًا.. فقلب الشاب أيام رخائه ليبحث عن أصدقاء الماضي.. فعلم أن أعز صديق كان يكرمه ويؤثر عليه وأكثرهم مودةً وقربًا منه قد أثرى ثراء لا يوصف وأصبح من أصحاب القصور والأملاك والأموال.
فتوجه إليه عسى أن يجد عنده عملًا أو سبيلًا لإصلاح حاله.. فلما وصل باب القصر استقبله الحراس والخدم فذكر لهم صلته بصاحب الدار وما كان بينهما من مودة قديمة فذهب الخدم فأخبروا صديقه بذلك.. فنظر إليه ذلك الرجل من خلف ستار ليرى شخصًا رث الثياب عليه آثار الفقر فلم يرض بلقائه وأخبر الخدم بأن يخبروه أن صاحب الدار لا يمكنه استقبال أحد.
فخرج الرجل والدهشة تأخذ منه مأخذها وهو يتألم على الصداقة كيف ماتت وعلى القيم كيف تذهب بصاحبها بعيدًا عن الوفاء وتساءل عن الضمير كيف يمكن أن يموت وكيف للمروءة أن لا تجد سبيلها في نفوس البعض.. سلم أمره لله ومشى عائدًا إلى منزله، وعندما اقترب منه صادف ثلاثة من الرجال عليهم أثر الحيرة وكأنهم يبحثون عن شيء.. فقال لهم: ما أمر القوم؟.. قالوا له نبحث عن رجل يدعى فلان ابن فلان وذكروا اسم والده.
الأصدقاء بالمواقف
فقال لهم: إنه أبي وقد مات منذ شهر، فتأسفوا وذكروا أباه بكل خير وقالوا له إن أباك كان يتاجر بالجواهر وله عندنا قطع نفيسة من المرجان كان قد تركها عندنا أمانة.. وأخرجوا كيسًا كبيرًا قد ملئ مرجانًا وأعطوه إليه ورحلوا والدهشة تعلوه وهو لا يصدق ما يرى ويسمع.
ولكن على الرغم من فرحته فقد حدث نفسه: أين اليوم من يشتري المرجان؟ إن عملية بيعه تحتاج الى أثرياء والناس في بلدتى ليس فيهم من يملك ثمن قطعة واحدة.. مضى في طريقه وبعد برهة من الوقت صادف إمرأة كبيرة في السن عليها آثار النعمة والخير، فقالت له: يا بني اين أجد مجوهرات للبيع في بلدتكم؟ فتسمر الرجل في مكانه ليسألها عن أي نوع من المجوهرات تبحث فقالت: أي أحجار كريمة رائعة الشكل ومهما كان ثمنها.
فسألها إن كان يعجبها المرجان فقالت له: نعم المطلب.. فأخرج بضع قطع من الكيس فاندهشت المرأة لما رأت وإبتاعت منه قطعًا ووعدته بأن تعود لتشتري منه المزيد. وهكذا عادت الحال إلى يسر بعد عسر وعادت تجارته تنشط بشكل كبير..
فتذكر بعد حين من الزمن ذلك الصديق الذي ما أدى حق الصداقة فبعث له ببيتين من الشعر بيد صديق جاء فيهما:
صحبتُ قومًا لئامًا لا وفاءَ لهم
يُدعَوْنَ بينَ الورى بالمكرِ والحيلِ
كانوا يُجلونني مذ كنتُ ربُّ غنى
وحين أفلستُ عدوني من الجهلِ
فلما قرأ ذلك الصديق هذه الأبيات كتب على ورقة ثلاثة أبيات وبعث بها إليه جاء فيها:
أما الثلاثة قد وافوكَ من قبلي
ولمْ تكنْ سببًا إلا من الحيلِ
أما من ابتاعتْ المرجانُ والدتي
وانتَ أنتَ أخي بل منتهى أملي
وما طردناكَ من بخلٍ ومن قللٍ
لكن خشينا عليكَ وقفةَ الخجلِ
فعلًا سبحان الله.. ما أروع الصديق الحق. يقول محمد على كلاى: الأصدقاء بالمواقف وليس بالسّنين.. حقيقة ستدركها يومًا ما.