من هى؟!
ونحن نحتفل بذكرى ميلاد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. من هى المرأة التى خلع نبي الأمة قميصه ليكفنها به ولما أنزلت قبرها أخذ يحفر ويوسع التراب بيده واضطجع في قبرها وقيل توسد القبر وخرج وعينه تفيض من الدمع عليها؟
من هى التى دعا لها بأن تبعث وهي كاسية فهي مكفنة بقميص نبينا الكريم؟
من هى التى لمَّا سوَّى عليها التراب قال بعضهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئًا لم تصنعه بأحدٍ، فقال: إِنِّي أَلْبَسْتُها قَمِيصِي لِتَلْبَس مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وَاضْطَجَعْتُ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا لَيُخَفَّف عَنْهَا مِن (ضَغْطَة الْقَبْرِ)، إنها كانت أحسن خلق الله صنيعًا بي بعد (أبي طالب). حبيبي أنت يارسول الله تحمل المعروف لمن لم يقدمه لك فكيف بإمرأة حوى معروفها طفولتك. فمن هي هذه المرأة؟
هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيَّة الهاشميَّة، زوجة أبو طالب عم النبي وأم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. كان النبي يعيش في كنف جده عبدالمطلب حتى الثامنة من عمره وتحديدًا عندما توفي جده انتقل لبيت عمه أبو طالب. فأحتضن هذا البيت النبي عليه الصلاة والسلام واحتضنته إمرأة عظيمة هي فاطمه بنت أسد فأعتبرته أحد أبنائها بل وأكثر، وفي بعض الروايات أنها كانت تُحب النبي أكثر من أبنائها! فعندما توفي عبد المطلب جاء أبو طالب لفاطمة وقال لها:
إعلمي أنّ هذا ابنُ أخي، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي، وإيّاكِ أن يتعرّض علَيه أحدٌ فيما يريد، فتبسّمت من قوله وقالت له: توصيني في وَلدي محمّد، وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي؟! ففرح أبو طالب بذلك.
سيرة إمرأة عظيمة
وبعدها اعتَنَت فاطمةُ بالنبي صلى الله عليه وسلم عناية فائقة، وأولَتْه رعايتها وحبّها، وكانت تُؤثِره على أولادها في المأكل والملبس لأنها كانت تقدر أنه يتيم فكانت تعطيه أشياء واهتمام حتى أكثر من أبنائها رضي الله عنهم، فإذا احتاج النبي أمرًا فكانت تلبيه مباشرة فنعم الأم كانت. وكانت أيضًا تغسّله بالماء وتدهن شَعره وتُرجّله وتطيبه، وكان النبي يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ (أمّي) لأنه لم يلاقي أهتمام كهذا إلا من أمه فاطمة بنت أسد وكانت تجمع له الطعام إذا كان خارج المنزل فإذا رجع يكون نصيبه محفوظ.
ومن شدة حبها للنبي عليه الصلاة والسلام حتى عندما تزوج السيدة خديجة دفعت إليه بفلذة كبدها إبنها عليّ بن أبي طالب ليكون في ولايته.. فكيف ردَ لها النبي عليه الصلاة والسلام جزء من أفضالها؟ تشير السيرة النبوية أن النبي الحبيب سمى إبنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة على إسم هذه المرأة العظيمة التي كان يناديها بأمي من شدة حبهِ لها.
وفي مرة من المرات أهدي للنبي ثوب من الحرير فقال عليه الصلاة والسلام: (إجعلها خُمرًا بين الفواطم، فشقها أربعة أخمره، خمارًا لفاطمة الزهراء، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة بن عبدالمطلب، والرابعة قيل إنها فاطمة بنت شيبة بن عبد شمس زوج عقيل بن أبي طالب).
وفاة فاطمة بنت أسد
أسلمت فاطمة بنت أسد بعد وفاة زوجها أبي طالب، ثم هاجرت مع أبنائها إلى المدينة وكانت رضي الله عنها راويةً للحديث؛ فروت عن النبيِّ ستَّةً وأربعين حديثًا، وكانت إمرأةً ذات صلاحٍ ودين، فكان النبيُّ صلى اللَّه عليه وسلم يزورها وينام في بيتها بعض الاحيان.
وفي السنة الخامسة من الهجرة توفت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها فحزن النبي عليها حزنًا شديدًا، وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لمـَّا ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب رضي الله عنه خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسها إياه واضطجع معها في قبرها.
وهى التى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث الناس يوم القيامة عراة.. فقالت: وسوأتاه فقال لها عليه الصلاةوالسلام: إني أسأل الله أن تبعثين كاسية.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه قال: لمـَّا ماتت فاطمة بنت أسد، دخل عليها رسول الله فجلس عند رأسها فقال: (رحمك الله يا أمي، كُنتِ أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسكِ طيبًا وتطعميني.. تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة).
وقال: «اللهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَلَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».
ومن المؤسف أن الكثير منّا لا يعلم سيرة هذه المرأة العظيمة التي ربت خير البشر عليه الصلاة والسلام.