رئيس التحرير
عصام كامل

الثمرة الصالحة ﻓﻲ إﺳﻜﺘﻠﺪﺍ

في أسكتلندا ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻼ‌ﺡ ﻓﻘﻴﺮ ﻳﺪﻋﻰ ﻓﻠﻤﻨﺞ.. ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟشديد.. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺸﻜﻮ ﺃﻭ ﻳﺘﺬﻣﺮ.. ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﺧﺎﺋﻔـًﺎ ﻋﻠﻰ اﺑنه من الفقر الذي يعيشه.. ﻓﻬﻮ اﺳﺘﻄﺎﻉ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﻈﻒ ﺍﻟﻌﻴﺶ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻦ اﺑﻨﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﺻﻐﻴﺮًﺍ؟!

ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ، ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺠﻮﻝ ﻓﻠﻤﻨﺞ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﺮﺍﻋﻲ، ﺳﻤﻊ ﺻﻮﺕ ﻛﻠﺐ ﻳﻨﺒﺢ ﻧﺒﺎﺣًﺎ ﻣﺴﺘﻤﺮًﺍ، ﻓﺬﻫﺐ ﻓﻠﻤﻨﺞ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﺐ ﺣﻴﺚ ﻭﺟﺪ ﻃﻔلًا ﻳﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﺑﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﻞ ﺗﺮﺗﺴﻢ على وجهه ﻋﻼ‌ﻣﺎﺕ ﺍﻟﺮﻋﺐ ﻭﺍﻟﻔﺰﻉ، وﻳﺼﺮﺥ ﺑﺼﻮﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻤﻮﻉ ﻣﻦ ﻫﻮﻝ ﺍﻟﺮﻋﺐ، ﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻠﻤﻨﺞ، ﺑﻞ ﻗﻔﺰ ﺑﻤﻼ‌ﺑﺴﻪ ﻓﻲ ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺍﻟﻮﺣﻞ، ﺃﻣﺴﻚ ﺑﺎﻟﺼﺒﻲ، ﺃﺧﺮﺟﻪ، وﺃﻧﻘﺬ ﺣﻴﺎﺗﻪ.

 

 

ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ.. ﺟﺎﺀ ﺭﺟﻞ ﺗﺒﺪﻭ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻼ‌ﻣﺎﺕ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﻭﺍﻟﺜﺮﺍﺀ ﻓﻲ ﻋﺮﺑﺔ ﻣﺰﺭﻛﺸﺔ ﺗﺠﺮﻫﺎ ﺧﻴﻮﻝ عظيمة ﻭﻣﻌﻪ ﺣﺎﺭﺳﺎﻥ.. اﻧﺪﻫﺶ ﻓﻠﻤﻨﺞ ﻣﻦ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻠﻮﺭﺩ ﺍﻟﺜﺮﻱ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﺍﻟمتواضع.. وﻫﻨﺎ ﺃﺩﺭﻙ أﻧﻪ ﻭﺍﻟﺪ ﺍﻟﺼﺒﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻘﺬﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ.. ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻮﺭﺩ ﺍﻟﺜﺮﻱ: "ﻟﻮ ﻇﻠﻠﺖ ﺃﺷﻜﺮﻙ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻲ، ﻓﻠﻦ ﺃﻭﻓﻲ ﻟﻚ ﺣﻘﻚ، ﺃﻧﺎ ﻣﺪﻳﻦ ﻟﻚ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺍﺑﻨﻲ، ﺍﻃﻠﺐ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺃﻭ ﻣﺠﻮﻫﺮﺍﺕ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﻘﺮ ﻋﻴﻨﻚ".

الطرح النافع

 

ﺃﺟﺎﺏ ﻓﻠﻤﻨﺞ: "ﺳﻴﺪﻱ ﺍﻟﻠﻮﺭﺩ، ﺃﻧﺎ ﻟﻢ ﺃﻓﻌﻞ ﺳﻮﻯ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻲَّ ﺿﻤﻴﺮﻱ، ﻭﺃﻱ ﻓﻼ‌ﺡ ﻣﺜﻠﻲ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﻔﻌﻞ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ، ﻓﺎﺑﻨﻚ ﻫﺬﺍ ﻣﺜﻞ ﺍﺑﻨﻲ، ﻭﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻪ ﻛﺎﻥ من الممكن ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻪ ﺍﺑﻨﻲ ﺃﻳﻀًﺎ".

ﺃﺟﺎﺏ ﺍﻟﻠﻮﺭﺩ ﺍﻟﺜﺮﻱ: "ﺣﺴﻨـًﺎ، ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺗﻌﺘﺒﺮ اﺑﻨﻲ ﻣﺜﻞ اﺑﻨﻚ، ﻓﺄﻧﺎ ﺳآﺧﺬ اﺑﻨﻚ ﻭﺃﺗﻮﻟﻰ ﻣﺼﺎﺭﻳﻒ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﺣﺘى ﻳﺼﻴﺮ ﺭﺟلًا ﻣﺘﻌﻠﻤًﺎ ﻧﺎﻓﻌًﺎ ﻟﺒﻼ‌ﺩﻩ ﻭﻗﻮﻣﻪ"، ﻟﻢ ﻳﺼﺪﻕ ﻓﻠﻤﻨﺞ، وﻃﺎﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ.. ﺃﺧﻴﺮًﺍ ﺳﻴﺘﻌﻠﻢ اﺑﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﻌﻈﻤﺎﺀ.. ﻭﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺗﺨﺮﺝ ﻓﻠﻤﻨﺞ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺳﺎﻧﺖ ﻣﺎﺭﻱ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ، ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﺼﺒﻲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺭﺟﻼ‌ً ﻣﺘﻌﻠﻤًﺎ، ﺑﻞ ﻋﺎﻟﻤًﺎ ﻛﺒﻴﺮًﺍ.. ﻧﻌﻢ.. ﻓﺬﺍﻙ ﺍﻟﺼﺒﻲ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﺳﻴﺮ ﺃﻟﻜﺴﻨﺪﺭ ﻓﻠﻤﻨﺞ (1881 ــ 1955) ﻣﻜﺘﺸﻒ ﺍﻟﺒﻨﺴﻠﻴﻦ penicillin ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1929.. ﺃﻭﻝ ﻣﻀﺎﺩ ﺣﻴﻮﻱ ﻋﺮﻓﺘﻪ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹ‌ﻃﻼ‌ﻕ.. ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰﺓ ﻧﻮﺑﻞ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1945.

 

ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻫﻜﺬﺍ، ﺑﻞ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻣﺮﺽ اﺑﻦ ﺍﻟﻠﻮﺭﺩ ﺍﻟﺜﺮﻱ ﺑﺎﻟﺘﻬﺎﺏ ﺭﺋﻮﻱ.. ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﻨﺴﻠﻴﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﻘﺬ ﺣﻴﺎﺗﻪ! ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﺄﺓ ﺍلكبرى أن ذﺍﻙ ﺍﻟﺼﺒﻲ اﺑﻦ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺜﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻋﻰ ﺍﻟﻠﻮﺭﺩ ﺭﺍﻧﺪﻭﻟﻒ ﺗﺸﺮﺷﻞ.. اﺳﻤﻪ ﻭﻧﺴﺘﻮﻥ ﺗﺸﺮﺷﻞ.. ﺃﻋﻈﻢ ﺭﺋﻴﺲ ﻭﺯﺭﺍﺀ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ.. ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﺩ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺿﺪ ﻫﺘلر ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ (1939 ــ 1945)، ﻭﻳﻌﻮﺩ ﻟﻪ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﻗﻮﺍﺕ ﺍﻟﺤﻠﻔﺎﺀ (إﻧﺠﻠﺘﺮﺍ ﻭﻓﺮﻧﺴﺎ ﻭﺍﻟﻮﻻ‌ﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷ‌ﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻭﺍﻻ‌ﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺘﻲ) ﻋﻠﻰ ﻗﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭ (ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ). كل ذلك ﺑﺪﺃ ﺑﻔﻼ‌ﺡ إﺳﻜﺘﻠﻨﺪﻱ ﻓﻘﻴﺮ ﺃﻧﻘﺬ ﻃﻔﻼ‌ً ﺻﻐﻴﺮًﺍ!

 

تقول الحكمة الخالدة: ألق خبزك على وجه المياه، وسوف يأتي لك ولو بعد حين. وحقًا وصدقًا التربية السليمة التي تربيها لأبنائك، ستجد طرحها النافع وثمرتها الصالحة بفضل الله في المستقبل؛ لأنه جل وعلا أخبرنا أنه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

الجريدة الرسمية