أوزوريس في مواجهة وباء القرن
تحذر التقارير الصحية من خطورة فيروس كورونا، بينما يبدو الأمر هامشيًا عند التطرق إلى المخدرات، التي تكلف البشرية خسارة فادحة في الأرواح تتجاوز ما خلفته الحربان العالميتان من ضحايا، ويجعل المخدرات فعليًا وباء القرن، وقد نبه تقرير الأمم المتحدة الأخير إلى أن فيروس كورونا والقيود المرافقة له زادت الإقبال على المخدرات، وحذر الشباب من خطورة القنب "الحشيش"، حيث تضاعف انتشاره في السنوات الأخيرة 4 مرات، وجاء في التقرير أن نحو 275 مليون إنسان تعاطوا المخدرات هذا العام، وعانى نحو 36 مليونا من اضطرابات التعاطي، وأشارت تقارير مؤسسات صحية عالمية، إلى أن ضحايا تعاطي المخدرات وإدمانها أكثر من مليار إنسان يمثل الشباب النسبة الغالبة منهم، ما يحتاج مواجهة حقيقية لهذه الآفة وتجارها.
التحذير من خطورة القنب، يذكرنا بضبط 4 أطنان حشيش قبل تهريبها من لبنان إلى مصر في مايو الماضي، ونظرا لحجم الضبطية الكبير أعلن عنها مكتب الرئيس اللبناني ميشال عون، وكانت أطنان الحشيش متجهة برا من البقاع في الجنوب معقل حزب الله، عبر شاحنتين إلى مرفأ صيدا، تمهيدا لتحميلها على باخرة تجارية تغادر إلى الإسكندرية، وأخفيت أطنان الحشيش في براميل ضمن شحنة حديد خردة إلى مصر.
"حزب الله"، الذي يسيطر على مرافئ لبنان، أعلن مرارا أنه يزرع "القنب" في الجنوب، وعليه بات من أبرز مروجي الحشيش والمخدرات بأنواعها إلى الدول العربية، وهو نفس نهج إيران التي تعد من أكثر دول العالم تصديرا للمخدرات.. وسبق إحباط تهريب أطنان الحشيش إلى مصر، بأيام أن ضبطت السعودية ملايين الحبوب المخدرة في شحنة رمان آتية من لبنان، ومع تكرار الأمر والتفنن في إخفاء المخدرات، أوقفت المملكة استيراد المواد الغذائية من لبنان، كما ضبطت اليونان أيضا كمية كبيرة من الحشيش في شحنة لبنانية.. وقبل يومين فقط أحبطت السعودية تهريب أكثر من 5 ملايين قرص مخدر داخل حاوية عنب وصلت ميناء جدة، وقبضت على مستقبليها في الرياض وجدة، وهم مقيمان من الأردن وسورية، وإحالتهم إلى النيابة العامة.
عملية أوزوريس
وأعلنت الأردن، الخميس الماضي، إحباط محاولة تهريب مخدرات من سورية بـ"طائرة مسيرة"، وتمكن الجيش الأردني من السيطرة على الطائرة وإسقاطها ليعثر على كمية مخدرات، وسبقها في أغسطس الماضي إحباط إدخال كميات كبيرة من المخدرات، قادمة إلى الأردن من سورية، وبمجرد الاشتباك مع المهربين أصيب بعضهم وهرب البقية إلى العمق السوري، وضبط الجيش المخدرات.
تزداد أهمية مكافحة تجارة المخدرات مع تنامي التهريب من إيران والدول التي تسيطر عليها، خصوصا أن طالبان لديها التوجه نفسه، ما يعني أن أفغانستان ستغرق كثير من دول العالم بالمخدرات المزدهرة لديها.
رغم مخاطر الإدمان صحيا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا، ظلت الولايات المتحدة الأولى عالميا في استهلاك المخدرات وبقيت كولومبيا أكبر منتج ومروج لها، ما استدعى مواجهة أكبر لتقليل المخاطر، وأعلنت الولايات المتحدة عن مكافأة 5 ملايين دولار لمن يساعد في القبض على زعيم أخطر "كارتل" لتهريب المخدرات في كولومبيا، دايرو أنطونيو أوسوغا، أو "أوتونيل"، بينما رصدت كولومبيا 800 آلاف دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكانه، وبعد ورود معلومات من وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" والاستخبارات البريطانية "إم 16"، وضع الأمن الكولومبي خطة العملية أوزوريس بمشاركة 500 من جنود الجيش، بينهم عناصر من القوات الخاصة، والقوات الجوية استخدمت 20 طائرة مروحية و10 طائرات مسيّرة، إضافة إلى الشرطة، وشاركت الولايات المتحدة وبريطانيا في عملية أوزوريس عبر الأقمار الصناعية، ليقع "أوتونيل"، قبل ثلاثة أيام في قبضة العدالة.
القبض على "أوتونيل"
أشاد رئيس كولومبيا إيفان دوكيه، بالقبض على "أوتونيل" في رسالة بثها التلفزيون الرسمي، معتبرا "إنها أكبر ضربة ضد تهريب المخدرات في بلادنا هذا القرن.. هذه الضربة لا يمكن مقارنتها إلا بسقوط بابلو إسكوبار أخطر زعماء تهريب المخدرات في العالم قبل 30 عامًا".
سيحاكم "أوتونيل" في 120 جريمة، منها عشرات جرائم الاغتيال والاختطاف وتشكيل منظمة إجرامية وتهريب المخدرات، لأن عصابته تضم نحو 1800 عضو مسلح وتنشط في مجالات إجرامية عدة منها الاتجار بالمخدرات والاستغلال غير القانوني لمناجم والابتزاز والاتجار بالبشر والاغتيال، في نحو 300 بلدية بكولومبيا، ومعظم بلدان أميركا الجنوبية، وإسبانيا والولايات المتحدة.
القبض على "أوتونيل" ضربة قاصمة، لكنه لن يقضي على الإتجار في المخدرات، التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للجميع ما يوجب مواجهة فاعلة ودائمة لاستئصال هذا الخطر الداهم.