أمية التعليم عن بعد
عادت الدراسة إلى طبيعتها حضوريا، ومن الأيام الأولى اكتشفت الهيئة التدريسية من تعاملها مع الطلاب مأساوية التعليم عن بعد (أونلاين)، ألمحت دول عربية عدة إلى ضعف مستوى الطلاب نتيجة التعليم الافتراضي، لكن الكويت نبهت لخطورة الوضع وكشفت العورات كاملة، داعية إلى وقفة جادة "لمحو أمية الطلبة بسبب الدراسة عن بعد".
صرخة الكويت لم تكن الأولى، إذ حذرت قبل بضعة أشهر من تراجع مستوى الدارسين، وأن طالب المرحلة الثانوية بالكويت لا يتجاوز مستواه طالب السابع "أولى إعدادي" في دول أخرى، ورفض وزيرَي التربية والتعليم د.علي المضف، والتعليم العالي د.محمد الفارس، حينها إستمرار التعليم عن بعد لإعادة تأهيل الطلاب بشكل سليم وإيقاف التفوق الوهمي نتيجة إجراء الإختبارات أونلاين، وهو ما أشادت به الجمعية الكويتية لجودة التعليم، وطالبت بخطوات ثانية لإصلاح الخلل وتطوير المنظومة، خصوصا مع تدني تصنيف جامعة الكويت بين المؤسسات التعليمية.
لم تجد مطالبات أولياء الأمور في الكويت، أذانًا صاغية لاستمرار التعليم عن بعد هذا العام أيضًا، بعد الإنقطاع عن المدارس نحو 18 شهرًا، ومع بدء الدراسة حضوريا كشفت تقارير الرصد والمتابعة تردي المستوى، ووجود أمية حقيقية لدى طلبة الصفوف الثلاثة الأولى في الابتدائية، وأن نحو 30 في المئة منهم لا يكتبون أسمائهم بشكل صحيح، وبعضهم لا يعرف طريقة الإمساك بالقلم.
الفاقد التعليمي
شملت تقارير المتابعة بقية المراحل، ووجدت أن الفاقد التعليمي موجود لكنه متفاوت بين الطلبة في الصفوف والمراحل، صحيح أن مشكلة القراءة والكتابة موجودة قبل كورونا، لكن التعليم عن بعد زاد التردي وكشف العورات، لدرجة عدم معرفة بعض طلبة الصف السادس الأحرف الهجائية، وهؤلاء يتعاملون مع الكلمة كصورة لا كأحرف، لأن التعليم الافتراضي لم يكن فيه أي طريقة لقياس مستوى الطالب بواقعية.
أمام الصدمة، أعلنت الوزارة أنها تحسبت لهذا الأمر ووضعت خطة لتعويض الفاقد بمختلف المراحل الدراسية، وستراعي في السنوات المقبلة تعزيز المهارات والدروس المفقودة لدى الطلبة، حتى لا ينتقل معهم الضعف التراكمي.
حالة طوارئ
لم ترض خطة الوزارة أهل الاختصاص، وطالبوا بإيقاف المناهج الحالية لمدة شهرين يعملون خلالها على محو أمية الطلبة المتعثرين وأن تعلن الوزارة حالة طوارئ لإعادة تأسيس الطلاب بتدريس مكثف لمناهج السنوات الأقل إلى جانب مناهجهم الحالية كنوع من التعويض لتدارك الوضع الكارثي وعدم حدوث ضعف تراكمي، مع ضرورة التركيز على تنمية المهارات الأساسية، ترغيب الطلبة في القراءة، وخلق تنافس بينهم عبر المسابقات، الاهتمام باللغة بعيدًا عن اللهجة المحكية، والتخلي عن التقليدية، خصوصا أن الضعف وصل لطلبة الصف العاشر "أولى ثانوي"، وبعضهم لا يستطيع كتابة اسمه كاملا بالإنجليزية.
برامج الجودة
الفاقد التعليمي ليس المشكلة الوحيدة التي أدركها المعلم باحتكاكه المباشر مع الطلاب، ومع عودة الدراسة حضوريا ظهرت تغيرات سلوكية كبيرة ومشكلات اجتماعية لدى الطلبة والطالبات، خصوصا في المرحلة الثانوية وهي من سلبيات تغير نمط الحياة كليا خلال فترة كورونا.
دخل وزراء تعليم سابقون على الخط، وأدلوا بدلوهم معتبرين أن الأسرة والطالب والبرلمان يتحملون جزءا من المسؤولية، فالأسرة تضغط على نواب البرلمان لاستصدار قرارات شعبوية تخفف المناهج على الطلبة، وإن رفض الوزير الانصياع لما يريدون كانت منصة الاستجواب بانتظاره وانتهى توزيره سريعا، ليأت وزيرا غيره يبدأ من الصفر، بعد إلغاء جميع القرارات والإصلاحات التي اتخذها سابقة إرضاء للنواب والطلبة وذويهم، الذين يفضلون استمرار مناهج تعتمد على الحفظ، وقبل الاختبارات يبحثون عن أحدث أساليب الغش رغبة في النجاح ونيل الشهادة فقط، ما كان سببًا رئيسيا في تدني التعليم، لكن اعتماد المناهج ثم الاختبارات على قياس مهارات الطالب وليس الحفظ، سيقضي إلى حد كبير على الغش ويعوض الفاقد التعليمي.
ودعا مسؤولون سابقون إلى سرعة تطبيق برامج الجودة وتفعيل دور المجلس الأعلى للتعليم في رسم سياسة تعليمية واضحة ومعاصرة.
تفوق وهمي
بينما طالبت الجمعية الكويتية لجودة التعليم، وزيري التربية والتعليم العالي، بخطوات أسرع لمعالجة الخلل وتطوير منظومة التعليم لأن “فاقد سنة في التعليم يؤدي إلى تراجع التنمية 10 سنوات”، محذرة من استمرار التفوق الدراسي الوهمي الذي يحتاج إلى إجراءات عاجلة، خصوصا أن زيادة عدد الحاصلين على 90 في المئة في "الأدبي" بلغت 400 في المئة، وبلغت 130 في المئة في "العلمي"، وتضاعفت إلى 800 في المئة لطلبة "العلمي" في الثانوية العامة نظام المنازل، 640 في المئة لنظرائهم في "الأدبي"، ورأت أن هذه المعدلات تعبر عن تفشي الغش والإفراط في سهولة الاختبارات وإلغاء مفهوم المناهج، وأنها على استعداد لتقديم أدوات وطرق كفيلة باستئصال الغش في اختبارات الثانوية العامة، مع تشكيل لجنة توقف تدهور التعليم وتضع تشريعات تحصنه من القرارات الشعبوية العابثة بمستقبل الأجيال.