"Squid Game" تنافس حتى الموت
حين تعطي الدنيا فإنها تمنح بلا حدود، وهذا ما حدث مع الفن الكوري الجنوبي، بداية من موسيقى "الكاي بوب"، حيث اجتاح إعصار فرقة البوب "BTS" العالم كله، وباتت قبلة الشباب والمراهقين، ثم توج الفيلم الكوري الجنوبي "باراسايت" العام الماضي بجائزة "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" ثم جائزة "الأوسكار" لأفضل فيلم وإخراج ليصبح أول فيلم غير ناطق بالإنجليزية ينال الجائزة المرموقة، لتقود الدولة الآسيوية الأيام الماضية انقلابًا في الدراما التلفزيونية العالمية من خلال "لعبة الحبار" Squid Game إنتاج منصة "نتفليكس"، الذي يمزج بين الرمزية الاجتماعية والعنف المفرط عبر رؤية بائسة لمجتمع مستقطب، في 9 حلقات، عن متسابقين يعانون ضائقة مالية، فيتنافسون حتى الموت سعيًا للفوز بنحو 38.31 مليون دولار.
المسلسل تحول إلى ظاهرة درامية وأثار ضجة كبيرة، لأهمية مضمونه عن الفقر الذي يقود إلى عنف مفرط، وبات الأعلى مشاهدة في "نتفليكس"، وتصدرت حلقاته "الترند" العالمي متجاوزا أشهر المسلسلات العالمية. النجاح الساحق لدراما Squid Game، قوبل بانتقادات لاذعة، خصوصا في المدارس، التي رأت فيه تشجيعا للصغار على خوض تحديات مميتة، وبدأت مدارس عدة في العالم من بينها مصر وبريطانيا وغيرهما الكثير في تحذير أولياء الأمور من خطر مشاهدة الأطفال حلقات العمل، لأن بعضهم بدأ يحاكي ما جاء فيه ويتظاهر بإطلاق النار على زملائه. مدارس أوروبية أخرى كانت أكثر عملية، وبدأت بتقديم دروس عن مخاطر العنف والأذى الذي تلحقه الدراما العنيفة والألعاب الإلكترونية بسلوكيات الطلاب.
شعبية لعبة الحبار
لكن بنظرة موضوعية، لا ننكر أن المسلسل استقطب جمهورًا كبيرًا جدًا في العالم بفضل عوامل عدة، أهمها جمعُه بين تسلية الصغار وعواقبها المميتة، إلى جانب الإنتاج المتقن والسينوغرافيا البديعة في كل مشهد، من خلال شخصيات مهمشة في كوريا الجنوبية، بينها مهاجر هندي وهارب من كوريا الشمالية، يتشاركون في ألعاب الأطفال التقليدية أملًا في الفوز بـ45.6 مليار وون (38.1 مليون دولار)، على أن يُقتَل الخاسرون في الألعاب.
قد يكون المحتوى كوري بحت، لكن المعالجة الدرامية تجاوزت المحلية وتناولت مشكلات وتداعيات الرأسمالية ليصبح الهم عالميًا، حيث تغليب الربح المادي على معيشة الفرد وهي الظاهرة الموجودة في كل المجتمعات الرأسمالية، ما كان أحد أسباب نجاح المسلسل في كل مكان.
يرى أساتذة الدراسات الكورية، إن تحول البلد الأسيوي خلال العقدين الماضيين إلى مجتمع غير متكافئ، يتفاقم فيه التفاوت الطبقي جعل الأزمة الحياتية تنعكس في الدراما سينمائيا وتلفزيونيا، لذا حقق فيلم "باراسايت"، شهرة عالمية للسينما الناطقة بالكورية، عبر تناوله الساخر الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء في دولة يحتل اقتصادها المركز الثاني عشر عالميًا، ورغم العنف المفرط في "لعبة الحبار" لكنه نجح عالميا لتناوله الفقر والتفاوت الطبقي، بطريقة تُبرز الحداثة الفنية الكورية.
أما في الولايات المتحدة، فاعتبروا الشعبية الساحقة لمسلسل "لعبة الحبار" في أكثر من 100 دولة تتابعه عبر "نتفليكس"، دليلا على أنه لم يُنتَج لمشاهدي الدول الغربية فقط، فالجمهور الغربي كان ينظر إلى الأعمال الاسيوية والأفريقية عمومًا بازدراء ويربط بينها وبين الفقر والتخلف، لكن تلك النظرة تغيرت في السنوات الأخيرة بعد الإطلاع على أعمال في غاية الإنسانية والإبداع الفني.
الدراما الكورية
الغريب أن مخرج "لعبة الحبار" أنجز سيناريو المسلسل قبل 10 سنوات، لكن شركات الإنتاج أحجمت عن تنفيذه لأنه "دموي وغير مألوف وغامض"، إلى أن تحمست له "نتفليكس"، وهو كعادة الأعمال الكورية يتضمن إشارات إلى صدمات لا تزال تطبع الذاكرة الجماعية في كوريا الجنوبية، كالأزمة المالية الآسيوية في التسعينات وصرف العاملين في شركة "سانغيونغ" لصناعة السيارات في 2009، وهما حدثان أديا إلى حالات انتحار.
وقبل هذا المسلسل، عالج المخرج في أعماله مواضيع عدة، انطلاقًا من وقائع حقيقية شهدتها كوريا الجنوبية، شأن كثير من فناني بلده الذين يعالجون في أعمالهم قضايا مستحقة عن العنف والمعاناة المعيشية والحرب والفقر، ما أفرز أعمالا ناجحة محليا أولا ثم وجدت طريقها إلى العالمية.
يبقى أن هويون جونغ، نجمة " Squid Game"، أصبحت بعد النجاح المدوي للمسلسل الألمع في بلدها وسفيرة لأشهر دور الأزياء في العالم، وخلال أسبوع واحد من عرض المسلسل بلغ عدد متابعيها في "إنستجرام" وحده 18 مليون متابع، والمفارقة أنها لا تحب أفلام الرعب والعنف رغم دموية وعنف مسلسلها الكوري "لعبة الحبار".