كان حدثًا فارقًا في تاريخ البشرية!
كان مولده صلى الله عليه وسلم حدثًا فارقًا في تاريخ الأمة والبشرية كلها؛ فقد استطاعت مجموعة من القبائل العربية المتناحرة التي لا تعرف يمينًا من شمال في أقل من 80 عامًا أن يضعوا- بفضل رسالته- قدمًا في الأندلس وقدمًا أخرى في الصين.. فقد أخرجهم صلى الله عليه وسلم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام وأنقذهم من ذل الخضوع للمخلوقين إلى عبادة الخالق الحق فنشر السلام والرحمة والأمان، وحكم بالعدل بين الناس فكان النبي الرحمة المهداة من الله للعالمين.
ما أشد حاجتنا هذه الأيام لاستحضار جوهر رسالة النبي الكريم وأن نطبق سنته وننهل من سيرته العطرة قيمًا نعلمها لأطفالنا وشبابنا جيلًا بعد جيل، وبطولات ومواقف وعلاقاته بزوجاته وبناته وإخوانه وأصحابه وجيرانه والناس كافة.. فالنبي هو قدوتنا وأسوتنا في حياتنا كلها.. وهنا نعود لسؤال مهم يشغل بالنا جميعًا: هل نطبق ما دعانا إليه ديننا الحنيف ورسولنا الكريم.. وهل ننتهي عما نهانا عنه.
معايير الأخلاق
ديننا الحنيف يحضنا- شأنه شأن كل رسالات السماء- على فعل الخيرات وترك المنكرات، رافضًا أي انحراف في الفكر أو فساد في السلوك أو التصور.. لكن دعوة ديننا شيء وواقع حالنا شيء مغاير تمامًا.. فأمتنا العربية والإسلامية مبتلاة دون غيرها بالإرهاب وجماعاته والتطرف وتنظيماته والفساد والتخلف والأمية والمرض.. حتى باتت أمتنا أكثر بقاع الأرض هشاشة وانقسامًا واستهدافًا وتدهورًا في الإنتاج وانحدارًا في السلوك وانخراطًا في الخرافة واستسلامًا للشعوذة والكسل والتواكل.. وغيرها من الآفات التي يرفضها ديننا بشدة.
وفي سياق متدهور كهذا يبدو طبيعيًا أن يكون السؤال: لماذا وصلنا لما نحن فيه.. من انحطاط في الأخلاق يجد تعبيره في جرائم قتل مروعة وتحرش واغتصاب وعنف وشتائم يندى لها الجبين.. لماذا ساءت علاقاتنا ببعضنا البعض وانقطعت صلات الأرحام وسادت القسوة لدرجة اللامبالاة والبلادة.
وإذا رصدنا ما حدث من تغيير واضح في معايير الأخلاق يبدو الأمر لبعضنا وكأننا في مجتمع غريب لا نعرفه، وفي زمن مختلف لم نعشه، فما الذي أوصلنا لهذه الحال.. وكيف تخلينا عن الاقتداء بأخلاق نبينا.. وانفرط عقدنا حين جرى تصدير الفنانين ولاعبي الكرة على أنهم "قدوة زماننا".
الأكثر إدهاشًا أننا مجتمع أخلاقي منذ استوطن الناس ضفاف النهر وقامت أقدم حضارات الإنسانية على أرضية أخلاقية، وبقي مجتمعنا عبر آلاف السنين مجتمعًا ذا أخلاق حسنة لم ينجح الاحتلال في نزعها عنه، بل ظل شعبنا محتفظًا بقيمه وأخلاقه ولم يفقدها يومًا تحت نير الاحتلال..على عكس ما رأينا في السنوات الأخيرة بعد يناير 2011 وما تبعها من انفلات طال كل شيء وأخرج أسوأ ما فينا وهو ما ينبغي أن تتنادى القوى الحية في المجتمع وصناع الفكر والثقافة والدراما والإعلام وأرباب التعليم للاشتباك معه وتغييره.