مهرجان الجونة وكشف عورة الإعلام
أسدل الستار على ختام مهرجان الجونة السينمائي، في دورته الخامسة، والتي انطلقت بمدينة الجونة السياحية المملوكة لرجل الأعمال المهندس سميح ساويرس، ولا يزال أصداء الحديث عن المهرجان وإطلالات الفنانات به تتردد منذ ليلة الافتتاح في 14 أكتوبر الجاري، والتي استمرت لـ9 أيام بلياليها، حتى الليلة الختامية في 22 من الشهر ذاته.
الحديث واختزال المهرجان بفعالياته في إطلالات الفنانات والفنانين، وتلك الفساتين التي كشفت سيقان هذه واكتاف تلك، ما هو إلا تناول سطحي، لذلك الحدث الفني، ابن الخمسة أعوام منذ دورته الأولى في 2017، بفكرة من رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، وإن كان نشطاء السوشيال ميديا، انساقوا وراء التريند في إطلالة الفنانة الفلانية، أو الظهور المثير للفنان الفلاني، فلا يقارن أبدا بخطيئة كبار الإعلاميين، وكذا بعض من القنوات والمواقع الإخبارية والفنية الناقلة للحدث، التي ساهمت بشكل كبير ومباشر في تصدير تلك الصورة السطحية عن المهرجان.
فساتين الجونة
فلا لوم على فئة شابة ما بين الـ16 حتى أوائل الثلاثين من عمرها أن يشغل كل تركيزها بأن ما يحدث في الجونة ما هو إلا سهرات راقصة وملابس مكشوفة وغريبة لأهل الفن من المصريين والعرب، إذا كانت أغلب القنوات متمثلة في إعلامييها، التي تناولت ذلك الحدث لم تتابعه فنيًا، قدر ما انشغل المذيع بفستان الفنانة الفلانية وإطلالة الممثلة العلانية، وإن كنت في سطوري ومعرض كلامي لن أتطرق لأسماء بعينها، ليس خوفًا من رد بعضهم ولكن لأن ما يشغلني فقط إبداء رأيي وليس الدخول في حالة نقاش وإثبات وجهة نظري التي بطبع أنا مقتنع بها (وإن كان عدم ذكري لأسماء هؤلاء قد يفقدني فرصة ركوب الترند بالدخول معهم في سجال ونقاش قد يتهمونني فيه بالتحريض على الفجور).
إعلامي قدير ومرموق عرف بحنجوريته الجهورية في تناول قضاياه، منذ اليوم الأول للمهرجان يستهل مقدمته اليومية بعبارة «مهرجان الفساتين.. وفساتين الجونة».. مستنكرًا تلك التي وصفها بالمناظر الخادشة للحياء، مستكملًا فقرته بمداخلة هاتفية مع إحدى الفنانات الأكثر جدلًا بإطلالتها، غير مكتف بذلك طيلة مداخلتها معه مصدرًا على الشاشة صورة الإطلالة المثيرة وكأنه يقول: «اللي مشافش في الجونة تعالى عندنا وشوف».
ومذيع ثان، عُرف بدفاعه المستميت عن القيم والمبادئ، مستنكرًا أي منظر خارج أو إطلالة راقصة (وصفًا ومهنة)، بعد مقدمته النارية حول الجونة وعريها (حسبما وصف)، أجرى مداخلاته الهاتفية مع عدد من الحاضرات وليس الحضور للمهرجان، ليسلط الضوء عن القضية الأهم من الفساتين من خلال سؤاله العميق: «الجو في الجونة عامل إيه؟.. لترد عليه الضيفة: الصبح كان حر لكن الحمد لله بالليل ظبط شوية».
ومذيع آخر وليس أخيرا، هاجم بكل ما أوتي من حنجرة ما يحدث في الجونة بظهور فنانات مرتديات فساتين عارية، وغير ملتزمات بالزي الرسمي المفترض أن ترتديه فنانة.. ليكمل وصلته الهجومية لمعدي حلقته عبر «الكنترول روم»: «هاتولنا بقى صور الفنانات نشوف الموجود في الجونة».
إضافة إلى أحد الإعلاميين الذي خصص جزءا من حلقته اليومية للحديث عن مهرجان الجونة وما يحدث فيها (ليس فنيًا) ولكن باستعراض الإطلالات المثيرة والحديث عنها، مستعرضًا التريندات التي هي بالطبع نتاج عمليات بحثية لنشطاء السوشيال ميديا وما أكثرهم من فئات عمرية أغلب أهدافهم إستعراض وتبادل صور الفنانات، وإن سمح لناقد في الشأن الفني بإبداء الرأي حول ما يحدث في الجونة يكون كلام الناقد المختص عرضًا على هامش الحلقة.
مهرجان فني
والحق يقال إن تصدير مصطلح فساتين الجونة ليس الخطيئة الوحيدة لهؤلاء ولكن كان لهم الدور الأبرز والأهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تصدر ترسيخ المقولة القائلة: «الأموال المنفقة في المهرجان ألم يكن أولى بها إقامة فعالية تكريم للمتوفين علميًا وعمليًا ؟!».. بمنطقية المبادئ والخدمات معهم فوق الحق ألف وألف حق، ولكن قبل أن نغلق تلك الجزئية، كم من إعلامي منهم خصص فقرة كاملة لعالم في مجال الطب أو الذرة أو متوفق علميًا في أي من المراحل التعليمية، بالطبع لن تجد وإن وجدت فقرة أو أكثر أسبوعيًا ستجدها على هامش حلقة ضيفها الأول والمروج الأكبر باسمه لفنان أو لاعب كرة مثير للجدل، وهذا ليس عيبًا في المذيع أو حتى القناة أو الجهة الممولة، ولكن وفق للمنفعة المتبادلة فالقنوات وعملها بهدف ربحي في المقام الأول وما يسعى المشاهد لمشاهدته والمكوث أمامه من بداية الحلقة حتى نهايتها، كذلك الحال بالنسبة للمهرجانات الفنية، والمعلن عنها مسبقًا أنها ربحية ونفعية في المقام الأول، وهذا لا يعني إغفال الجانب التربوي والتوعوي، ولكن لكل مجاله وتخصصه، فكيف تطالب مهرجان فني سواء كان سينمائي أو مسرحي أو درامي بإعداد فقرات للمتفوقين علميًا وعمليًا، فهؤلاء لهم أيضًا المهتمون بها ونأمل في زيادتهم شريطة تغيير بوصلة المشاهد والمتابع للحدث.
وبالعودة لمهرجان الجونة والجانب الأهم والأساسي الذي من أجله أقيم المهرجان في دورته الأولى في 2017، حتى الخامسة في 2021، وهو التبادل الفني ما بين صناع الأفلام والمهتمين والمتحمسين بالشأن السينمائي، وبالفعل شارك بالمهرجان قرابة الـ80 عمل فني، ما بين أفلام روائية طويلة وقصيرة ووثائقية، شاركت جميعها بعدد من المسابقات المنوطة بها، وكان لغالبية تلك الأعمال مشاركات دولية وعالمية مسبقة في مهرجانات فنية مرموقة، بل وبعضها حاز جوائز في تلك المحافل العالمية لم يسبقها إلى هناك عمل فني آخر.